لطائف ــ 10
صوّر مستملحة قصيرة منقولة مما قرأت :
بقلم الداعي بالخير : صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
فلسفة بخيل :ــ
ومن تراث الجاحظ الساخر عن البخل هذه النادرة :
كان أبو سعيد البصري المدائني من أئمة البخل ، وكان غنيا يملك الأموال الكثيرة ، ولكنه كان حريصا لا ينفق شيئا من ماله ، إلا بحساب معلوم ...!!!
يحكون أن جيرانه بدأوا يلاحظون خروجه من داره كل يوم بعد العصر فيتوجه إلى السوق ، ويروح حيث يقعد أحد التجار ، فيحادثه قليلاً ثم يرجع ، وقد تكرر هذا الخروج أكثر من عشرين مرة ، حتى تبعه بعض الناس وعرفوا أنه يقصد أحد التجار في السوق ، كان قد بقيت عنده لأبي سعيد بعض الدراهم ، فكان أبو سعيد يروح إليه كل يوم بعد العصر يطالبه بهذا الحساب القديم ، وكان التاجر معسرا ، يؤجل السداد يوما بعد يوم ، لكن أبا سعيد لم يكن لينسى أو يدع دراهمه فيعود للكَرّة ، ويعود للمطالبة ...!!!
تعجب أصحاب أبي سعيد وقال أحدهم : إن ذهابك كل يوم إلى ذلك الرجل ، لا شك يتعبك ويضعف بدنك ، وأنت في هذه السن المتأخرة ، ولا تنسَ أن تعب الطريق سيجعلك تجوع ، فإذا كنت قد اعتدت أن تتعشى ، سيزيد ما تأكل، وإن كنت ممن لا يتعشون ، ستحتاج إلى طعام فتتعشى ، ألا يكلفك ذلك أكثر من الدراهم الخمسة ..؟؟!!
قال أبو سعيد : فما الخطر على الثياب ؟؟
قال صاحبه : أنت تروح إلى السوق وتمشى وسط الناس والسوق زحام ، أترى كيف يحتك بك المارّة من الناس والدواب؟؟
من هنا نترة ومن هنا جذبة ، فإذا ثوبك يتقطع ، أو يبلى أو يتسخ ، ولعلك تعثر مرة أو مرات ، فتتمزق نعلك ، أليس في كل ذلك خسارة ؟؟
إحسبها في ثيابك ونعلك ، ألا يكلفك ذلك أكثر من الدراهم الخمسة ؟؟
قال أبو السعيد : والله أن حسابي غير حسابكم ، وأن ما ترونه خسارة أراه أنا مكسبا ، فأما ما ذكرتم من تعب جسدي من المشي ، فإن المشي على غير ما زعمتم ، يقوي الجسد ولا يضعفه ، والله ما يضعف الجسد إلا الراحة ، وقلة الحركة ، فما رأيت أصح من الحمّالين والطوافين ، ألم تسمعوا المثل القائل : فلان أصح من الشرطة ؟؟؟ وهو يعني أن الصحة تتوفر للشرطة لكثرة حركتهم ومشيهم ..!!!
ولهذا فأنا أحرص على المشي ، فإن حدث وبقيت يوما في منزلي ، لبعض الأمور ولم أخرج ، فإني أكثر الصعود والنزول على السلم حتى أتحرك...!!!
أما ما ذكرتم عن الزيادة في الطعام ، فإني قد عوّدت نفسي على أن ما لها من طعام ، لا يزيد ولا ينقص ، فإن حاسبتني نفسي وطالبتني أيام التعب زيادة بالطعام ، أحاسبها أيام الراحة ، التي لا تحتاج إلى الطعام ...!!!
أما ما ذكرتم من مزاحمة أهل السوق من الجذب والنتر ، فإني أقطع عرض السوق من قبل أن يقوم أهل السوق إلى صلاتهم ، ثم يكون رجوعي بعد أن ينفض السوق ...!!!
أما ما ذكرتم من شأن النعل ، فإني منذ خروجي من داري ، حتى وصولي دكان صاحبي أمسك نعلي بيدي ....!!!
فهل رأيتم بعد أن شرحت لكم أني مخطئ في شيء ..؟؟
قالوا : لا والله ، قال لهم : إذن أخبركم بسبب واحد يخوّل لي ما أفعل ، ويكون عذرا لي بإلحاحي بمطالبة صاحبي بالدراهم الخمسة . قال أصحابه : ما هو ..؟؟ قال أبو سعيد : إذا علم قريب الدار ، ومن لي عليه ألوف الدنانير ، شدة مطالبتي لبعيد الدار ، ومن ليس لي عليه إلا بضعة دراهم ، أتى بحقي ، ولم يطمح لنفسه من مالي ، وهذا تدبير يجمع لي طول راحة بدني إلى رجوع مالي ...!!!
الشكر والذكر :
ابتليّ أحد الصالحين بلاء شديد في جسمه ونظره حتى صار الناس يرثون لحاله قائلين : أنظر ماذا أبقى لك هذا البلاء ؟؟ فقال لهم منبها ومعلما : الحمد لله الذي أبقى لي قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ..!!! وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن كل شيء للمؤمن خير ، إن أصابه خير شكر ، وهو خير له ، وإن أصابه بأس صبر ، وهو خير له ...(أو كما قال سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام) .