ذاكرة الأمة

ذاكرة الأمة
بقلم : الداعي بالخير صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com

أمة بلا أساطير ، وبلا خرافات ، وبلا آثار ، وبلا جذور ، أمة ميتة ، أو أمة قد وُلِدَت لتوها ، وتحتاج لعشرات من مئات السنين حتى ترتقي بقامتها إلى قاماتنا الشامخة ، فلماذا نحني قاماتنا ، وغيرنا يتمنى لو أن له قامة مثل قاماتنا عالية ..؟؟!!
حزنت جدا على هدم وابادة تراث وذاكرة عمان ذاكرة ، وعلى مقهى حمدان التاريخي ، وفرحت لأهتمام الأعلام والمثقفين ودفاعهم عن هذه الذاكرة ...!!!
لكن لماذا نهدم تراث عمان ؟؟
ألنقيم مزيدا من القصور والأبراج والمجمعات التجارية ؟؟
وهل عمان لا سمح الله تعالى تعاني من نقصان جبال الأسمنت التي ابتلعت الأرض الزراعية وجعلت منا أمة استهلاكية تأكل مما لا تزرع ، وتلبس مما لا تنسج ...!!!
أمة مثل الفطر بلا ورق ولا جذور نبتت بعد هزيم الرعد وتموت بعد اشراقة الشمس ..!!!
لماذا تطغى ثقافة العولمة الدخيلة على ثقافة الأصالة العظيمة ..؟؟!!
لماذا نقتلع هذه الجذور الضاربة في عمق التاريخ ، ونمسح الذاكرة الوطنية كما نمسح أي برنامج على (ديسك الكمبيوتر) ، لننسخ برنامجا آخر ..؟؟؟!!!
لماذا لا تهدموا المدرج الروماني وتقيموا مكانه مول تجاري في وسط البلد ، وكذلك سبيل الحوريات ، سيما تساوي أرضه الملايين ، وتهدموا القلعة وتقيموا مشروع تجاري ..؟؟؟!!!
لماذا لا تسوّوا الأرض بكل شوامخ عمان ، وعناوين أصالتها ، وتاريخها المجيد الضارب في عمق الأرض ..؟؟؟!!!
هل وصلت الخصخصة الى ذاكرة عمان لنقتلها ؟؟
أي فايروس لعين هذا الذي غزا فكرنا وأطاح بارادتنا وبُرْمِجنا مثل العاب الديجتال على محطات سبستيون وغيرها من رسوم الكرتون ؟؟
دعوا الماضي يعانق الحاضر ، دعوا شوامخ مدينة عمان وعنوان أصالتها ، وتبا للأبراج والأسواق والمولات ، والتقدم الحديدي الذي لا يتقدم الا وجنازير جرافاته تنبش قبور الموتى وتهرس كل آثارهم ، عدوة الحضارة والأصالة ..!!!
عمان الكبيرة التي حافظت على هويتها وبصمتها وعروبتها واسلاميتها ...!!!
مدينة تعانق مساجدها كنائسها ، يعانق مطعم الفلافل مطاعم (الفايف ستار) ، الذي يدفع الموظف راتبه مقابل وجبة فيه ، وغير مشبعة..!!!
مدينة تعانق الفرق الشعبية والدحية فيها فرق الراب ، والروك اند رول ..!!
فلكل مواطن موطئ قدم فيها ، ولكل طلة جمالها وبهاؤها ..!!
فلماذا تقلعون وجه عمان الذي نحبه ونعشقه ، بقدر ما نكره العولمة والخصخصة..؟؟!!
عمان فيها من يعمل بالدقيقة والساعة ، ويحسب كل ثانية من وقته كم تكلف ، وفيها من يعمل الأيام والشهور والسنين المتواصلة ، ولا يدري كم يمضغ من الوقت الثقيل ، ولا يملك قوت يومه ، وهذا المواطن لا يعنيه من الحياة الا أن يملك قوت يومه وليلته ، ولا يجرؤ حتى على الحلم ، لأن الحلم غير مباح ..!!
وهذا مواطن له أن يرى القصور والفلل ، وينعم بين مسارح وملاهي وفنادق ومطاعم عمان (الفايف ستار) ، وهذا مواطن يملأ صدره من الدخان والعوادم ، وأكبر أحلامه ان يحصل على كرشة أو شريحة عرائس من أرخص انواع اللحمة والتي تعافها القطط والكلاب ...!!
مواطن يحب مشاهدة الحدائق والبحر ، وآخر يحب أن يرى السيل ويتسكع في قاع المدينة ..!!
الفرق أن المُبَرمِج صاحب قرار ، والذي على (باب الله) ، لا يحل ولا يربط ، فتداس ذاكرته بالآلة والجرافة ، ونعل البسطار ..!!
ويموت وهو يجتر الذكريات ...!!!
عمان لا تزيد فخرا بمزيد من العمران الراقي ، ولكنها تزداد أصالة وهي تحتضن الماضي ...!!
ولكنها أيضا تتألم وهي ترى نزف دمها الغالي ، كلما غرسوا خنجر غدر جديد في خاصرتها ، وقتلو أصالتها ...!!!
لك الله يا عمان ، يحميكِ ويرعاك الله ، ويكف لعاب المتنفذين والأثرياء الذي يسيل شوقا لأقتلاع الأصالة من قلبك الكبير ، وكف أيديهم الظالمة القاتلة الآثمة عن حضارتك العظيمة ..!!
نشرت في جريدة الرأي الأردنية في 22/8/2004 م


http://turath.mo5ayam.com/vb/index.php
منتديات سنجل الباسلة
الموقع الشخصي للكاتب والباحث صالح صلاح شبانة