من وحي رحلة العمرة (3)
بقلم الداعي بالخير : صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
اليوم إن شاء الله تعالى ، أختتم حديثي عن مشاهدات وخواطر رحلة العمرة المباركة إلى الديار الحجازية المقدسة ..
فالمناسك والعمرة في مكة المكرمة ، والزيارة للمدينة المنورة هي للسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والتشرف بالوقوف أمام ضريحه الشريف ، ولولا ذلك لبقي اسمها يثرب ولا تختلف عن أي مدينة حجازية أخرى ، ولكن الله شرّفها بالرسول الأعظم ، ومسجدها النبوي الشريف ثاني مسجد تشد إليه الرحال بعد بيت الله الحرام ، والركعة فيه بألف ركعة ، وهو موسم للأجر والفضل وتعويض النقص المتجذر بالنفس الإنسانية ...!!
والسياحة الدينية فيه متعة لا تضاهى ، فأنت تتنسم عبق انتشار الرسالة المحمدية العظيمة وتستحضره صلى الله عليه وسلم ، بكل عظمته وهيبته ووقاره ، وهو يجلس على حصير من جريد النخل ، أو يشرب اللبن ويأكل تمرات ، ولو شاء الدنيا لارتمت تحت قدميه الشريفتين ، وعلى الأمة أن تتعلم منه ، والحفاظ على تلك السنة الشريفة .
وفي المدينة المنورة ساحات واسعة نظيفة لامعة ومظلات وارفة الظلال اليكترونية ، وخدمات كثيرة جدا ، تشعر معها بالراحة والطمأنينة ، وتتمنى أن تحمل المكان الشريف في قلبك عندما تغادر ، على أمل أن تعود ذات يوم ، ومن يدري أتكتحل عيناك بتلك البقاع أم لا ..؟؟!!
ولا نرى مخالفات شرعية في المدينة إلا التدافع لرؤية القبر الشريف وملامسة الشباك ، حيث تحول قوات الأمن السعودية بينهم وتلك البدع الشركية ، وبعض الزحام ، ولكن النظام هناك يتيح لكل مسلم هذا الشرف ، وقد تشرفت به وبالصلاة في الروضة أكثر من مرة ، رغم أننا لم نمكث هناك سوى ليلتين ..!!
وفي الطريق إلى مكة نزور مسجد قباء ، أول مسجد للإسلام ونستحضر الصور التاريخية لإقامة أول بيت للعبادة ، والصلاة فيه تعادل عمرة كاملة ، فيا لفضل الله الذي يجعل لنا هذه المشاعر الطاهرة كنوز نتزود منها للأيام المقفرة حين نصاب بالعجز والكسل وتوهن الأجساد ونقصر عن الشعائر ، فشأننا شأن صاحب الرصيد الذي يسحب منه كلما احتاج ، وليتنا نفهم تلك الحكمة الغالية ، فنمضي مدة إقامتنا باحثين عن الهدايا والتمر والأشياء التافهة ، وكلها عندنا في بلادنا بمواصفات أجود وبأثمان أقل .. ولكنه وسواس إبليس اللعين ..!!!
وفي آبار على ، نغتسل ونلبس أكفان الدنيا ، وهي ملابس الإحرام ، ونصلي هناك ثم ننطلق إلى رحلة الحج الأصغر ملبين الله عز وجل ، في أرض مقفرة مجدبة ، والحرارة تتصاعد حتى نشعرها تخرج من آذاننا ، ومن يجرؤ أن يضع قدما عاريا على الأرض ..!!!
وهنا عظمة الرسالة والرجال الذين كانوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكيف ذلل الله لهم تلك البقاع ، فحملوا الرسالة من نصر إلى نصر ، حتى صارت بفضل الله الكرة الأرضية تدين بالرسالة الخالدة ، ويأتي بعض الروافض والفجرة ويتقربون إلى الله (بزعمهم) بسب ولعن أولئك الصحابة الكرام ، (ولا يتقربون إلا لإبليس وجنده) ، مستنكرين آيات الله البينات ، وأنه عز وجل رضي عنهم ورضوا عنه ..فيا سبحان الله ، قتِلَ الإنسان ما أكفره ..!!!
أما مكة المكرمة قبلة المسلمين والمسجد الحرام الذي كله قبلة ، لا الذي لا قبلة له ، أي اتجاه تتجه إليه ترى الكعبة المشرفة أمامك ، فتطوف بها وأنت تحلم لو تقبل الحجر الأسود ، ولكنني للأمانة حاولت ذلك لثلاثة أيام ، وبت ليلة ساهرا أحاول أن أحوز ذلك الشرف ولم أستطع ، لأن إمكانياتي الجسدية لا تستطيع مزاحمة بعض المسلمين الذين يمارسون الشعائر الخطأ ، فيفرض قوة جسده وإمكانيته أن يدفعك بعيدا عنه ليضع فمه على الحجر الأسود وينهال عليه بقبلات لا عدد لها ، ويحرم أخوانه من ذلك الشرف ، وتلك المخالفات الوحيدة التي شدت انتباهي مع أن رجال الدين والأمن كانوا ينهون عن تلك الأفعال بشدة ، ولكن دون فائدة ...!!
أما أكثر ما شد انتباهي هو تلك الخدمة الكبيرة والنظافة ، ومع وجود الآف من طيور الحمام داخل المسجد ، لم أر زرقها وأوساخها ، بل رأيت كل شيء يلمع ونظافة قل وجودها ، وحرص على أمن البيت الحرام مما يجعلك كزائر مطمئن من القرامطة الذين هاجموا الحجاج لمرتين في التاريخ وسرقوا الحجر الأسود لعشرين سنة ، وهذه أسباب ، أما الثقة والآمان بالله عز وجل ، ولكنه سبحانه أمرنا بقوله : (وأعدوا) ، ولم يشترط إلا المقدرة بالأعداد لأن النصر من عنده للذين آمنوا ..!!
وأكثر ما شدني وملأ قلبي بالإعجاب أولئك المسلمون من أصول أروبية ، ما أن يروا الكعبة المشرفة حتى تفيض عيونهم بالدموع ، ويعلو نحيبهم شوقا وفرحا بتحقيق ذلك الحلم ، وعندما يغادر يسير راجعا إلى الخلف بظهره حتى تتوارى الكعبة عنه ولا يدير لها ظهره ...!!!!
كانت الكعبة الشريفة ولا زالت وستبقى إلى قيام الساعة وجهتنا وقبلتنا وتجتمع عليها قلوبنا ، وسنبقى ندعو الله عز وجل أن يزيدها تشريفا وتكريما ،
وكل عام وأنتم بخير ، وأدعو الله لكم زيارتها المباركة ، وغفران ذنوبكم ، وأن يكون عز وجل قد غفر لنا وأعادنا كما ولدتنا أمهاتنا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته