مقهــــى المغتربين
بقلم : سعادة أبو عراق
محمد جوهر-7
من النادر ما نشوف القهوة فاضية من الزباين ، وخاصة في أيام الصيف ، بالطبع أول من استغرب هو صاحب القهوة ، استفسر بطريقته الخاصة وقا ل شو إللي في الدنيا ، قالوا له محمد جوهر إجا من كلمبيا اليوم العصر ، فعرف إنه كل الناس راحت تسلم عليه ، مثل العادة وتهنيه بالسلامة ، وقتيها القهوجي تأكد إنه ما في سهرة الليلة ، فأحسن له يروح يتريح ، طفا البوابير واللوكس وسكر الباب وروح ، وهو ماشي قال ما بصير ما أروح وأسلم عليه ، فميّل من طريقه على بيت جوهر .
القهوجي ما بعرف محمد جوهر ، لأنه سافر من زمان ، لكنه بيسمع عنه كلام كويس ، وإنه زلمة محترم ، ولسانه دافي وصاحب دين ، وبتذكره لما سافر وطلع بالسيارة ، قرا دعاء السفر وأخذ معاه السجادة والمسبحة والمصحف ، وقال للناس يا جماعه إللي له عندي شي يحكيلي أو يسامحني ، والدنيا مفرقة حي وميت ، وسافر على كلمبيا وكأنه ما بده يرجع ، وبقولوا إنه ما جاب مصاري كثير لأنه ما كان يربح إلا القليل ، ولا كان يغش ولا يداغي على حدا ، ومع ذلك كانت حالته كويسة .
دق الباب لاقى كل البلد قاعدة عنده في الحوش ، تحت معرش العنب، وظاويين لوكسين ، ومسّا عليهم بالخير وراح عليه وسلم وعبطة مباوسة وهناه بالسلامة ، وشاف له مطرح في طرف الحوش وقعد .
وبعد ما سكتوا ، تابع محمد جوهر خرّافه إللي بيحكي فيه ، وقال : ما إنتو بتعرفوا جسار رحمة الله عليه ، كيف كان في البلد ، ممشاه مش مزبوط بحب الأذى والسلبطة على الناس وأكل الحرام ، ونفس الشي كان ممشاه في كلمبيا ، وأنا صراحة ما كنت أشوفه لأنه في بلد ثانية ’ ولأنه مسموعاته مش كويسة ، فما صار عندي رغبه إني أحتك فيه وأتعرف عليه ، لكن مره إجا علي واحد يشكيلي عليه لأنه عرف إني بلدياته ، بلكي يسد له المصاري إللي عليه ، لأنه أنكر إنه ما إله عنده ، ومش هيك وبس ، لكن راح يدعي عليه إنه هو بده منه مصاري ، وترجاني أتوسط له وأحل المشكلة إللي بينهم ، فقلت له هذا الزلمة أكبر مني في السن ، وما بيني وبينه علاقة كويسة ، وهذا زلمة صار فوق الستين ومش ممكن يتغير ، قال لي إنت زلمة صالح بلكي صلح على إيدك ، قلت له توكل على الله ، إن شاء الله بقدرني على عمل الخير .سحبت حالي ورحت على البلد إللي هو فيها ، وصلت الدكان تبعته ، إلا هو قاعد بين ثنتين مزلطات والعياذ بالله ، ولابسات شورت ، وقدامه هالقناني أشكال الوان ، قلت مستحيل يتقبل مني شي وهو في هالحاله هاذي .
سكت محمد جوهر على بين ما خلص سلام على واحد جاي يهنيه بالسلامة ، ولما قعد صار يتفطن لوين وصل ، فقال شو بدكم في طول السيرة ، رحت عليه وهو صاحي ، وعزمني على الدار ، عشان نتعرف على احوال بعضنا البعض ، لأنا بلديات ، شفت أولاده ومرته ، وانبسطوا لأنهم شافوا إلهم قرايب ، وخاصة لما شافوني بصلي ، حبوا يصلوا معي ، فصليت فيهم ، وحكيت لهم شي عن دينّا ، بعدها صار بينا ألفة ومحبة ، وصار يصلي معي ، هو والأولاد والمرة ، مش بس هيك ، قام لقناني الخمر وكسّرها كلها ، وحرم على حاله يشربها ، وقال بدي أروح أحج بلكي ربي غفر لي ذنوبي ، وفعلا صار يستغفر الله كثبر ، ويقول لي إدعي لي يا شيخ ، وصرت أقرا له القرآن ، وكان ينصت كأنه بيسمعه لأول مرّة ، وقال بدي أحج ، ورحت أنا وإياه على بوغوتا وقالوا لنا لسا بدري ، وسجلنا أسامينا في شركة الطيران على بين ييجي الموسم .
لكن سبحان الله العظيم ، ألله ما أراد له إنه يموت عاصي ، ومثل ما قال نبينا الكريم ( يمسي الرجل مؤمنا ويصبح كافرا)، فجسار أمسى كافرا وأصبح مؤمنا ، أوكما قال (و إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النـار حتى ما يكون بينه و بينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنه فيدخلها ) .وكأنه على موعد فما مر شهر إلا ألله ميخذ وداعتة ، اتصلوا في أولاده ومرته ، إجيت بسرعة ومعي مجموعة من اولاد العرب، قلت رحمة الله عليك ، قمت سبلت عنيه وقبلته القبلة وغسلته وكفنته وصلينا عليه ، وحفرنا له قبر في حوش الدار ، لأنه ما عندهم مقبرة مسلمين ، ونزّلناه القبر وهيّلنا عليه ولقناه ودعينا له بالرحمة ، وعزينا أولاده ومرته وقررنا نفتح له بيت أجر لمدة ثلاث تيام ، اليوم الرابع اتصل فيَ إبنه الصبح بيقولي أبوي فوق القبر ما صدقت رحت عليه وإلا هو صحيح ، حفرنا القبر مرة ثانية ودفناه ، ثاني يوم وإلا هو طالع مرة ثانية ، قمنا دفناه مرة ثالثة ، ثالث يوم كمان طلع ، قلت لازم ورا هاذي الشغلة معنى ، فكرت واسستخرت الله ، قلت أكيد عليه حقوق للناس ، وعشان الله يتقبله برحمته ، كان يرجّعه عشان يأدي حقوق الناس ، ربنا الغفار بيغفرله معصيته لكن ما بيغفر له حقوق الناس إللي أخذها ، حطيناه جوا البيت ، وقمت قلت لابنه ومرته ، أعطوني كل ما معكم من مصاري ، جابوهم ، ورحت جبت سماعه وحطيتها ع السيارة وطفت في البلد وأقول إللي له عند جسار شي ييجي يوخذه ، وكتبنا في الجرايد وأعلنا بالإذاعه ،وإجا ناس يطالبوا وأعطيناهم حتى خلصت المصاري وما إجا بعدها واحد يطالب ، عندها قلنا الآن لازم ندفنة ونشوف ، الصبح فتحنا عليه باب الغرفة ما وجدناه ، حفرنا عليه القبر إلا هو جوة .
فجأة إلا كل الناس صاحت الله أكبر ، هذي معجزة .