سواليف قاضي معزول / سعاده عوده عراق
9- خروف مشوي
من يوم ما سمعت هـ السولافة ، وأنا مش عارف أضحك وإلا أعيط ، مش لأنها نكتة ، لكن لأنها بتستهزي بحالة البطر إللي بتصيب الإنسان ، وانكسار الشهوة والمتعة عنده ، والهنا إللي بينقلب شقا ، أظن إني بفرط من الضحك لأني بعرف إنها قصة ، ماشفتها إنما سمعتها ، ولو شفتها ما اظني أكون مبسوط .
فمثل ما سمعت كانت قافلة من الشاحنات كانت محملة غنم ، سبع شاحنات مليانه على الأخير ، جايبينها مش عارف من رومانيا أو من بلغاريا ، وصار للشوفرية يومين أو ثلاث تيام بيسوقوا ، وقربوا يوصلوا ، لكنهم وقفوا بجنب هـ لطريق ، بعرق هـ الجبل ، في منطقة غابات ، كلها أشجار ومناظر وفيّ وميّ ، عشان يريحوا ماتورات السيارات وهم يتريحوا كمان ، يشربوا شاي ويدخنوا ، وإللي معاه أكل يوكله . اجتمعوا وراحوا يمزحو مع بعض ، ويصيحوا مثل عادتهم ، وبدهم أية حاجة يروضوا فيها جسمهم وعقلهم إللي طول النهار صافن في الطريق ، نط واحد وقال : شورايكم نذبح إلنا خاروق ونشويه ونوكلة ، قام واحد اعترض وكأن الفكرة أعجبته وقا ل قربنا مش ظايل إلا عشر طنعشر ساعة وبنصل ، هذا يعني الفكرة مقبولة بس مش مناسبة ، قام واحد قال ، فكرة والله ، خلينا نستمتع بوقتنا ، نحسب حالنا في رحلة ،واحد رابع قال ما بصير نذبح خاروف، الخرفان مش إلنا ، هذا مال ناس ، رد علية رابع ، هو إحنا بدنا نوكلة ببلاش ، ما إحنا راح ندفع حقة ، فرد عليه واحد ما بصير ، بلكي ما بده يبيعنا ، المشترى إيجاب وقبول ، نط واحد وقال ، قديش واحد فطس معنا في الطريق ؟ احسبه منهن ،قال واحد كأنه واعظ ؛ العرب عمرهم ما بتفقوا ، سأله واحد يعني انت موافق ، قال له موافق ، قال صاحب الفكرة أول واحد ، طيب نشوف مين إللي موافق وبعدين نقرر ، اللي موافق يرفع إيدة ، عدهم لاقاهم عشرة من أربتعش ، لأنه كل شوفير معاه مساعد ، فقالوا إذن بنقسم حقة بينا ، كل واحد ثلاث أو أربع دنانير ع الواحد ، كأننا في مطعم ، وإللي ما بدة يدفع يوكل ومش فارقة . المهم اتفقوا يعملوا حفلة ولو بدهم يتأخروا شوي ، وإللي مش معجبته الفكرة ما اعترض . واحد من المتحمسين راح طلع على شاحنة ونقى خروف عِدِل ، وما صدق وهو ينزلة ، من كثر ما هو قوي تنح، وبعدين رد الباب وما سكرة كويس وحط السقاطة ، إما نسي أو كان ملتهي بالخروف إللي بفالت منه ، وبالصدفة إللى كانوا معاه ما انتبهو كمان .
المهم الكل راح يشارك في هـ الوليمة ، ذبحوا الخروف ، وعلقوه على شجرة راحوا يسلخوا فيه وقطعوا أفخاذه وأديه شقف صغير وشرايح شرايح ، أما البافي راح يدوّر حطب ، فروع اشجار يابسة وقش واغصان صغيرة ، وواحد راح جاب من عنده قضيب حديد ، دسوا في باقي الخروف، وحطوه فوق النار،وواحد بينفخ على النار ، وواحد بيعدل من الجمر ، وواحد بحرك الخاروف على قضيب الحديد ، وكأن اللي بشوفهم يبقول بيمثلوا في فلم هنود حمر .
بالصدفة واحد ظرب عينه على الشاحنات الصافة وإلا حواليهن خرفان ،نط يجري ، وما شاف الا الباب الخلفي مفتوح والخرفان بتنط منه ، تقول مساجين وانفتح لهم باب السجن وراحوا ينطوا خمسة خمسة ، صيح بصوت مفجوع ، سمعوه ، انتبهوا وشافوا المنظر إللي خلى عقولهم تطير ، بدون وعي كل واحد ترك إللي في إيده وراح يجري ، والخرفان راحت تتفاعط ، يعني يدهم رجال بعدد الخرفان حتى يمسكوهم ، وبجوز أكثر لأنه الخروف بده ثنين يمسكوه ، شو رايك بأربعين أو خمسين خروف ، المهم حاولوا قد ما بقدروا ، مسكوا الخرفان القريبة وراحوا يلحقوا الخرفان إللي راحت بعيد ، واللي تخبت تحت السناسل ، وإللي شعبطت على الجبل ، وإللي دخلت في المغاير ، ناهيك عن الوقت إللي بيحتاجه الخروف وهو متنح حتى يشحطوه للطريق ، وخاصة من تحت لفوق ، أما لما يلحقوه لفوق ما بيصلوه إلا وهم هلكانين ، هذا غير المساحة الواسعة إللي انتشرت فيها الخرفان ، يدوروا ورا الحجار وبين الحشايش ، وكانوا يسقطوا ويتزحلقوا ويدحدلوا ، يتهشموا ويتجرحوا يعني تبهدلوا بهدلة محترمة .
المشكلة ما وقفت هون ، جمعوا إللي جمعوه وراحوا يعدوهم ، لكنهم مش داريين قديش خروف كان في الشاحنة ، شوبدهم يساووا ، الشمس قربت تغيب ، ومش معقول بفتشوا في الليل ، ومش قادرين يروحوا ، ومش عارفين شو بدهم يقولوا للشركة إللي متعاقدين معها ، وكيف بدهم يتحملوا الخسارة ، كل الشوفرية ومساعدينهم ، وإلا بس إللي وافقوا على ذبح الخروف ، بلشوا يتقاتلوا مع بعض ، كل واحد بلوم الثاني ويحط الحق علية ، وفي هذه الميمعة نسوا انهم جيعانين وعطشانين ونسوا إن الوقت تأخر كثير ، أهم شي نسوا الخروف إللي على النار ، ولما فطنوا له ، راحوا وهم مقهورين ندمانين ، ولكنهم انقهروا أكثر لما وجدوا الكلاب أكلت الخروف المشوي ،وأكلت الشقف إللي شووها على الرظف ، ومش ظايل منة غير شوية عظام ، والكلاب بتتمزمز عليها ،مبسوطة وما بتهرف ، وبتتطلع عليهم كانها بتشكرهم أو بتضحك عليهم .