سواليف قاضي معزول
تأليف : سعاده عوده أبو عراق
21- وين إللي بحبه
مثل قصص ألف ليلة وليلة ، تحول جروان بين يوم وليلة من راعي غنم لمليولير ، ما ورث من عمه إللي في البرازيل مثل حسني البورزان ، ولا اشترى ورقة يانصيب ، ولا وجد كنز في أرضة ، ولا تغير عن حاله حال من يوم ما كبر ، واستلم من أبوه شلية الغنم ، والأرض إللي بيرعى فيها ، الأرض صحيح كبيرة بتيجي لها متين دونم ، إلا إنها يادوب ترعى فيها الغنمات ، ويا دوب عايش من الصوفات إللي بجزها عن ظهورها ، وشوية حليب وزبدة وجبنة ، وكل شهر ببيع له راس أو راسين بيصرف على حاله ، وعايش براس الجبل ، ببيت قديم ، وقدامه صيرة ، هو واولادة وبنته ، ولا هم داريين شو في الدنيا .\
يوم من الإيام ، وإلا جايين عليه ناس محترمين ، ما بعرف مين هم ، وطلبوا منه يبيعهم الأرض تبعه ، استغرب الطلب ، وقال لهم ، ووين بدي أرعي غنماتي ،قال له ، غنماتك وأرضك شو بتجيب لك في السنة ، صار يتفطن ، فقالوا له إحنا بنعطيك مليون ونص دينار ، شورايك ، صار يتصور المليون قديش ونصه قديش ، قالوا له ، لو شفتهم ما بتقدر تعدهم ولا تحملهم ، قال لهم ووين أسكن ، قالوا له خليك ساكن هون ، المهم باعهم الأرض ، وقبض المصاري ، ولما ما دري وين يحطهم ، قالوا له ، بتحطهم في البنك ، وعلموه كيف يوخذ إللي هو عايزه ، المهم مع الوقت تقبل الوضع ، وبنى قصر براس الجبل ، محل البيت القديم ، وعمل حوليه حديقة ، وبجنبه بيت شعر ، عامله مضافة ، وصار عنده خدامات وجناينية ، زشوفرية وما شاء الله عليه .
المشكلة ما صارت عنده ، المشكلة صارت عند بنته ، إللي ما كانت حلوة ولاكانت متعلمة كثير ، بس كانت ذكية وحساسة وبتحب الشعر، وكانت تقول قصايد في الخلا وهي مع الغنمات ، وهيك كانت معتزة بنفسها ، وكانت بتحلم بواحد ما انخلق مثله لحد الآن ، من لما كانت تحلب الغنمات ، أما بعد ما صارت مليوليرة بنت مليولير ، صارت شروطها أصعب ، صارت تفكر إنه إللي جاي يخطبها ، ما بده إياها عشانها هي ، إنما عشان فلوسها وفلوس أبوها. ولما ظلت ترفض الناس تركتها ، لكن بدال ما تغير مفهومها وتفكيرها ، صارت تتعالى على الرجال ، واقتنعت إنه ما حدا من الرجال في مستوى مقامها ، فلبست خمار ، عشان تشعر إنها ما بدها رجال ، والخمار حاجز ، وإللي بده إياها لازم يسلك طريق طويلة ، وصارت تتفشش في الجنايني إللي في البيت عندهم ، بتمارس عليه كل حقدها إللي ع الرجال ، ما تناديه باسمه إلا يا خدام روح اغسل السيارة ، يا خدام روح حمم الحصان ، يا خدام خذ الكلب وشممه الهوا ،وبتبقى تتطلع عليه من فوق ، وكأنها مش قادرة تشوفة ، لكن في جواها كانت بتغلي ،صارت تكتب شعر تنادي فيه حبيبها إللي بتتخيلة ، ومرة شافت مجلة في البيت ، فكرت إللي جابها واحد من اخوتها ، فتحتها ، وقرت فيها شعر كتبوه القراء ، مكتوب بالعامية ، قرت القصايد لشباب وبنات ، أعجبها قصيدة لواحد أسمه(القمرالساري)،
كيف القلب يهدا ترى ويرتاح ومركب ربيع العمر ولى وراح
خذني لصوبك يا بحر مركب حزين
مكسور مجذافي من امواج السنين
ففطنت إنها ألفت أكم قصيدة حافظتهم في عقلها ، قامت كتبت وحده وودتها ع المجلة باسم (عاشقة القمر)، قالت فيها :
خذني لصوبك يا بحر يمكن نكون صحاب
نسهر سوا ونحكي سواو نتذكر الأحباب
يمكن يعود إللي مضى مهما يطول غياب
معقول يرجع شعرنا أسود بعد ما شاب
كأنه فيها مغازلة (للقمر الساري) ، العدد إللي بعده نشروا قصيدتها ،انبسطت وتريحت ، وارتفعت ثقتها بنفسها ،واعتبرت نفسها غير عن كل البنات ، العدد اللي بعديه نزلت قصيدة من (القمر الساري) فيها رد على قصيدتها وفيها شوية غزل ،
وصلت قصيدة معنبرة عند عطار بالمسك والريحان والوان حنة
وابيات مثل الشهد وألوان ازهار ما كل نحلات الزهر يوصلنه
وكمان ردت عليه
جاني من عند الحبيب كتاب إمسطر فوق طلحية
بومٍ قريتها عيشي طاب يا فرحة القلب يا بنية
ورد عليها ،
يا حلوة يا أغلى من الدر والماس إنت على قلبي وعمري رئيسة
عرفتك حنونه فايظ قلبك احساس لا تتركيني في حياة عبيسه
عندها شعرت إنها وجدت إللي بدها إياه .
شافت مرة هذا الخدام معاه المجلة إللي بتكتب فيها ، صيحت عليه يالخدام يا قليل الحيا، مين قال لك تمد إيدك على غراض غيرك ؟ شو مستواك انت ؟ قال بكل تأدب ، عفوا يا ستي ، أنا وجدتها مرمية ورا السور ، أبصر من مين وقعت ، على كل أنا ما بدخل جوّا القصر حتى أوخذ شي ، اقتنعت إنه ما أخذ مجلتها لكن ما فكرت منين جاب إللي معاه ، أما هو فاستغرب إنها بتشتري مجلات اجتماعية ، وقال بيجوز أخذتها من حدا ، ونسي الموضوع لأنه متعود على بهدلتها ، وعلى طول لسانها (القمر الساري ) مش عارف عنوان ( عاشقة القمر ) وهي مش عارفة عنوانه ، وصار كلام الغزل واضح للجميع ، ومفهوم حتى للقراء ، لكنه ما بيروي الغليل ، بدهم يتراسلوا بالسر ، بدهم كل واحد يحكي كل إللي عنده ، إ يعرف اسمه الحقيقي ، ومن أي بلد ، وشو أعمارهم ، متجوز وإلا عزابي، يعني كل واحد شاف الثاني مناسب له ، وبفكر بالزواج منه ، يعني الشباك إللي انفتح لها في المجلة تيدخل لها شوية هوا ، صار الهوا زوابع في قلبها وقلق في دماغها ، وصارت حمامة مكسورة الجناح عاوزة تطير ومش قادرة .
المهم ، يوم من الأيام المجلة حبت تعمل مسابقة للشعرا الشباب ، وخاصة للشعرا إللي بينشروا دايما شعرهم بالمجلة ، (القمرالساري) ودّى قصيدة مطلعها
وينك يا رقيق الحس والقول يا حلو المعاني واللفظ معسول
كيف اللقا بيك والبعد بيطول ارحم يا رب السما والخلق آهاتي
و(عاشقة القمر) ودّت قصيدة
حبّيتك يالقمر والغيم غطاك جابك خيالي وصوَّرِت محياك
وشفتك ملاك ويا سعد مسراك إمتى أشوفك ويا الهنا لقياك
القصيدتين إلهم نفس الموضوع ، كل شاعر بينادي على حبيبه إللي ما بيعرفة ، بينادي الجبيب المجهول ، وفازت القصيدتين ، وتقاسموا المرتبة الأولى ، وشافت المجلة مش بس تفوزهم على الورق ،إنما تعمل لهم حفل تكريم .
في يوم التكريم ،راحت (عاشقة القمر) ، والشاعر (القمر الساري )، (عاشقة القمر) راحت لابسة الخمار ، مش مبين منها شي ، فاتفاجأت لما شافت الخدام تبعهم في الحفلة ، حسبت إنه أبوها أو واحد من أخوتها وداه وراها يراقبها ويعرف وين رايحة ، أما (القمر الساري) فما شاف إلا هالوحدة المخمرة جاية عليه ، قالت له : مين جابك هون يا خدام ، مين إللي وداك وراي يا نذل ؟ ومين أعطاك إذن وسمح لك تيجي على مثل هيك مطارح ؟ إمشي روح روح...! قبل ما أمسح فيك الأرض ، حسابك معي بعدين . وتجمعوا الناس ، والمحررين في المجلة ، والصحفيين إللي بدهم يغطوا الخبر ، واستغربوا مثل هذا الشي يحدث بين الفايزين بالمسابقة ، ولغة الردح السوقية ، وخاصة بين اثنين من المبدعين الفايزين ، لكن الاستغراب الأكبر كان عند عاشقة القمر إللي عرفت |إنه حبيبها إللي بتدور عليه عندها موجود قدامها وجالس في بيتها، والقمر الساري إللي بحب أكثر إنسان بيكره وبيحتقره وبسيء له .
