سواليف قاضي معزول
تأليف : سعاده عوده أبو عراق
23- انت ومالك ...
تربينا على إن الأولاد من واجبهم يقوموا في والديهم إذا كبروا وإذا مرضوا وإذا احتاجوا ، والرسول قال أنت ومالك لأبيك ، وهذا أمر للإبن إنه ما يبخل على والديه بشي ، حتى ولو ماله كله ، لكن بعض الناس بفهموا الحديث فهم حرفي ، إنه الإبن لازم يجيب راتبة أو مصاريه وتعبه ويقول لأبوه تفضل ، وما إله يسأل أبوه ، ولا كيف تصرّف فيهم . بالطبع هذا مفهوم نابع من الأسرة الممتدة في النظام الزراعي ، إذ كل الأولاد والأحفاد وأولاد أحفاد بيشتغلوا في أرض الجد ، أو أبو الجد
الأب دايما مسيطر على مال الإبن ، فكيف سيطرته على مال البنت ، بالتأكيد السيطرة أقوى ، والإذعان من البنت مضاعف ، وقهر البنت يا حرام أكثر ، لأنه رأيها غير مسموع ، وإرادتها ضعيفة ، والعادات لها حكمها الأعمي كمان .
وهذا إللي صار مع المعلمة عطاف ، وأبوها الموظف الصغير المتقاعد من الحكومة ، ما صدق وبنته الكبيرة تشتغل معلمة ع التوجيهي أو دار المعلمات ، وصارت تقبض له عشرين خمسة وعشرين دينار ، كانت تعطيه إياهم كلهم ، وتوخذ مصروفها منه، وهو يحطة على معاشه ويصرف ع بقية العيلة ، عطاف ما قدرت تتراجع وتعطي أبوها شي محدد وتوفر لنفسها جزء ، وأبوها اعتبر هذا حق مكتسب له ، وشافها عادي ، وما شعر في البنت اطلاقا ، والمشكلة إنه كان يرفض العرسان إللي بيتقدموا لها ، لأسباب كثيرة ، لكن السبب الحقيقي ، كان خايف يخسر راتبها ، وهي مسكينة ما بتقدر تفرض عليه رأيها ، لأنها بتخجل مثل كل البنات، إللي ما بتقدر تقول بدي اتجوز ، وصار عمرها فوق الثلاثين ، وبلشت العد العكسي عندها ، وصار العمر يبين عليها ، وما صدقت وإجاها عقد إعارة تدريس في الأمارات العربية ’ راحت هناك لكن ما صارت تويدي لأبوها راتبها الشهري كله ، بحجة إنها ما بتقبضة بانتظام ، وبعدين صارت توديله جزء صغير كمساعدة ، وخصوصا إنها سمعت إنه أخوها فايز صار يشتغل ، المهم حاولت تخبي من وراه شوية مصاري ، ولما رجعت من الإعارة فكرت إنها تشتري شقة ، طبعا أبوها انبسط لأنه اعتبر الشقة إله ، وممكن يجوز فيها ابنه فايز .
وفعلا أخذت الشقة وسكنوا فيها وراحت بدها تدفع القسط الأخير لشركة الإسكان عشان تتسجل باسمها ، لكن أبوها زعل لأنها ما بدها تسجلها باسمه ، المهم اتحملت نكده ، لكنها تعرفت على المحاسب إللي في الشركة ، طلع من طرف الحمولة ، لكن هم مابعرفوا بعض ، لكن أبياتهم بيعرفوا بعض من بعيد ، ومبين ما بحبوا بعض ، فوجدت فيه الفرصة الأخيرة للزواج ، خصوصا إنها صارت فوق الخمسة وثلاثين ، وهو أكبر منها شوية ، عنده ظروف صعبة ، وما معه يجوز لأن أبوه نفس الشي ،عنده عشرة ومعتمد عليه ، ومش راحمه كمان ، فحاولت تغريه بالشقة والراتب ، اتفقت معه على الزواج ، ولما شافته فعلا ما معاه مصاري ، عرضت عليه إنها تعطيه مهرها ، ويسكنوا في الشقة تبعتها يعني مش راح يتكلف مصاريف زواج وتأثيث بيت وكسوة وغيره، لكن أبوها ما قبل ، لأنه الأن قدامه مشروع جواز إبنه أولا ، وبده مساعدتها ، وثانيا لازم قبل ما تتجوز تتنازل عن الشقة لأبوها ، عشان يسكن أخوها ومرته فيها ، هذا يعني إنه أبوها كانت اولوياته جواز ابنه فايز ، ومش مفكر فيها ولا مفكر إنها بنت مثل كل البنات ، وبني آدمة عاوزة جيزة وجوز واولاد وعيلة ، بس مفكر بالمعاش إللي بيقبضه منها كل شهر .
مش هذا وبس ، أبوها شاف العريس إللي لاقته وإجا يخطبها ، إنه بناسب أختها الصغبرة أم الثمنعشر سته ، يعني عاوز يخلص من أختها إللي ما بتجيب له شي ، يعني مش برفض جيزتها وبس ،لكن كمان ما فكر أبدا يجوازها ، فهذه التصرفات خلتها تفكر بحالها ، بدل ما طول حياتها بتفكر في أبوها أمها واخوتها ، صارت تشعر بالمرارة لأنها فكرت في غيرها أكثر ما فكرت بنفسها ، وأكتشفت إنه أبوها وأمها واخوتها ، شاعرين إنها بتقدم واجبها ومش طالبة مقابل ، لذلك ما حفظوا لها الجميل ، ولا حاولوا يردولها بعض إللي قدمت لهم إياه ، ردة الفعل هذه جعلها تتصرف كأنه أبوها ما دخله ، وإنها هذه حياتها الخاصة فيها ، ولازم تعيشها ، وإنها بالعربي الفصيح بدها تتجوز بأي ثمن .
اخوتها لما شافوها تمردت بشكل غير متوقعينه، دبت فيهم الحمية ، وقالوا لها ، بعد ما هي إللي ربتهم وأصرفت عليهم ؛البنت ما بصير تتجوز على راسها ، طبعا اخوتها وأبوها بعرفوا العادات والتقاليد ، وذبح البنت إللي ما بكلف شي ، بكفي يقولوا غسل شرف ، وأخوها إللي بيذبحها ما بيطلع عليه عقوبة ،لكن ما بعرفوا القانون ولا الشريعة إللي بتسمح للبنت البالغ إنها تتجوز دون إذن ولي أمرها .
لأنها واجهت أب وأهل عمرها ما توقعت تشوفهم بهالصورة هذه من الأنانية ، اتخذت موقف مع خطيبها ، إنهم يستأجروا بيت ، ويأثثوه على السريع من الأثاث العتيق المستعمل ، وراحوا يكتبوا الكتاب ، الأب حرد وما وافق ولا حضر كتب الكتاب ولا عملوا فرح ، ولا شي ، وقالت هذا كله مع الزمن بينتسى ، لكن لما علم أبوها وأخوها إنها هي اللي دفعت المهر ، إنجن جنون أبوها وأخوها ، وأخوها إجا هادد على خطيبها في البيت وأطلق عليه النار لكن الله ستر ، حبسوا أخوها ، وكمان صار عمها أبوا جوزها رافض هذا الزواج ، شو بدها تساوي مازال الأمور وصلت للقتل ، رأسا راحت باعت الشقة إللي اشترتها ، وقالت للمشتري بتعمل عقد أجار مع أبوها الساكن في الشقة ، بأجرة مناسبة ، وأخذت مصاري الشقة ، واشترت بيت مستقل فيه تسوية ، وتجوزت على السكيت في هذا البيت .
أبوها إللي ما عرف حدودة ولا واجبه كأب ، ما دري كيف يتصرف ، كل راتبه من التقاعد يا دوب يدفع أجرة الشقة ، ومنين يوكل ويشرب ، البنت عطاف صابها تأنيب ضمير ، شو بدها تساوي ، مش من عادتها تتصرف بهذي القسوة ، هل هي أخطأت أو أصابت ، لكن لأنه معدنها طيب ، والله دايما مع الطيبين ، حتى لو طيبتهم خلتهم ينسوا حالهم ، لكن ربك ما بنساهم ، ولازم يصحح لهم الوضع ، ألله أعطاها جوز طيب مثلها ، وخلصها من سلطة أبوها إللي ما بعرف حدوده ، وخلصها من أخوتها وخواتها الناكرين الجميل ، وبنفس الوقت ما نزع منها انسانيتها ، وأحرمها من رظا الوالدين، لأنه جوزها الطيب قال لها شو رايك نسكّن عمي وعمتي في التسوية التحتا ، بدال ما نأجرها ؟ قالت له جبتها