سواليف قاضي معزول
تأليف سعاده عوده أبو عراق
24- قصر البلد
قبل ما قامت الحرب عام سبعة وستين ، واحتلت اليهود البلاد ، إجا واحد أسمه ( مِِِنْوِِِر ) كان في بريطانيا ، رغم إنه العرب نادر ما بهاجروا على بريطانيا ، بس راح حسب ما اعتقد عشان يدرس ، لأنه كان شاطر كثير في المدرسة ، تعلم \هناك واتجوز انجليزية واشتغل من خمستعش ستعشر سنه ، إجا بسيارة رولز رايز ، وفي النادر ما إجا واحد وجاب معاه سيارة ، مهما كان نوعها ، مش سيارة رولز رايز ، طبعا لإنه السيارة ما إلها لزوم كثير، ناهيك إنه ما في طرق كويسة ، تمشي عليها السيارات ، وثاني شي ما في ميكانيكية ولا قطع سيارات زي الناس ، فأكثر الظن إن السيارة مش أكثر من عملية استعراضية ، عشان يقولوا معاه سيارة .
طبعا الناس ما حبت هذا الاستعراض إللي بيعمل حسد و غيرة عند الناس ، وممكن ينفهم إنه تعالي غير مقبول وغطرسة ، لكن الزلمة والشهادة لله ما أظهر هذا الشي في سلوكه ، كان محترم ، تبرع للمدرسة والجامع ، وعرض يعمل عيادة ، وإجت الحرب فجأة وما عمل عيادة ، كان يوميتها بده يسافر ، فما قدر يسافر ، ودخل اليهود ع البلد ، وحرثوها من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها ، وبالطبع كانت سيارته الغالية إللي ما مثلها مثيل ، كانت أول الرايحات ، وما حدا عرف وينها ، وأنو بده يقدر يدور عليها ، ولما إجت الناس تواسيه وهم بدهم يشوفوا شو ردة فعله ، قال لهم هذا شي طبيعي ، الحرب فيها خسائر ، وما دام دخلنا الحرب مش لازم نتوقع النصر دايما ، وانا جبت السيارة عشان إنْحِسْ إنا إحنا ناس محترمين وراقيين ومتحضرين ، لكن كثير من الناس ما فهمت شو بيقول .
من أول اسبوع الناس بلشت تنزح على عمان ، تقطع الشريعة مشي وتروح ع الكرامة وتسند على السلط ، ومن هناك تروح على عمان والزرقا ، والناس استغربت هذا الزلمة إللي مازال قاعد ، وصارت تخمن ، ليش إجا قبل الحرب ، وصار الاحتلال ولساته ظايل ، أكيد هذا عميل انجليزي ، وبالطبع الناس لسه مشاعرها سيئة ضد الانجليز ، ومن السهل تفسير الهزيمة بإنها من تدبير عميل ، حتى انهم اتهموا مجلخ السكاكين إللي أسمه الطير الخضر ، لأنه كان بلبس أواعي خضرا ، اتهموه إنه كان عميل لإسرائيل ، وهو سبب الهزيمة ، والمسكين انقطع رزقة بعد ما طلعت هذي الإشاعة ، لأنه خايف من الانتقام .
ولأن الناس مش عارفة على مين تحط الذنب على مجلخ السكاكين والمقصات وإلا على (منور) وإلا على عبد الحكيم عامر ، راحوا على شيخ قاعد على راس هالجبل جوا صومعة ، ومبين إنه مش داري شوصار ، قالوا يا شيخ الفدس راحت ، سكت سكت وهز راسه كأنه تذكر شي ، قال اليهود بتظل في القدس سبعة ، قالوا له سبعة إيش يا سيدي ، قال سبعة ، إماسبع تيام أو او سبع تشهر أو سبع اسنين ، الناس حسبت من يوم الاحتلال لليوم لقوها عشر تيام ، إذن اليهود ما بيطلعوا إلا بعد سبع تشهر، على حساب الشيخ ، فمعظم الناس قالت يا قديم الاحسان ، وشرقت على عمان على بين ما تطلع اليهود من القدس بعد سبع تشهر ، هناك مثل ما الناس بتخرف بيوزعوا عليهم سردين وفاصوليا وقوالب سكر وبكيتات سجاير ،حتى إللي بده يتجوز بجوزوه .
ما شافت الناس إلا مرت (مِنْوِر) الانجليزية واولاده الثلاثة إلا وهم جايين ، مَرَاه شقرا وشعرها مثل الذهب ، واولاد ماشاء الله مثل الملايكة ، وبحكوا كمان عربي ، والمراه مثلهم بتحكي كمان عربي مكسر ، وهذا خلّى الناس ما تحكي قدامها شي خوف تروح تحكي لليهود ، وسَكَّنهم في بيت العقد القديم تبع أبوه ، واتعجبت الناس من هالتصرف ، هذول إجوا في وقت الناس بترحل فيه ، فلما شاف (منور) الناس مش قادرة تفهم الموقف قال لهم بعد صلاة الجمعة ، أنا جاي أقعد ، ومش ناوي أرجع للندن ، وبدي أبني بيت جديد ، ومن بكرة إن شاء الله ، وثاني يوم قام من الصبح راح وقف على الطريق إللي بتروح على عمان ، شاف أربعة شايلين أواعيهم على ظهورهم وقاعدين على جنب الطريق بستنوا في الباص يركبوا فيها ، إجا منور عليهم وقال لهم وين على باب الله ؟ قالوا على عمان ، قال لهم عشان توخذوا سكر وسردين وطحين ، واحد منهم حس بإهانه فقال له مهو انت خواجا ، إنت داري إنه ما معنا إيجار الطريق ، وبجوز نمشيها من هان للشريعة مشي ، قال له معك حق ، أنتو رايحين تدوروا على شغل ، قال له طيب مهو إنت عارف ،قال أنا عارف ، لكن لو شغلتك وأعطيتك اجرتك ما بتروح ؟ قال له بحدّة شو بدك تشغلني ؟ قال له بدّي أبني بيت ، تطلعوا تحفروا لي الأساسات في الظهرة ، اطّلع الأربعة في وجوه بعض ، كأنهو بيتشاورا بالعيون ، وسندوا يحفروا الأساسات للبيت ، والمغربيات أخذ كل واحد أجرته نص دينار وروح على الدار قالت له مرته ، شوا ...؟ قال ؛بطلنا ننزح
البيت كان بده ناس تقطع حجار وناس تدقها وناس تبنيها ، وناس تجيب حصمة ومية وشمينتو وحدادين ونجارين وقصّيرة وطرّيشة وغيرهم، يعني ما ظل واحد في البلد إلا واشتغل فيه شغلة ، وصاروا يتباهوا كأنه القصر إلهم حتى سموه قصر البلد ،لأنه البيت ما كان بيت كان قصر مثل القصور الانجليزية ، والناس التهت فيه لأن بنايته دامت أكثر من سنه ، ونست تفكر في السردين والسكر والدخان إللي بتوزعها هيئة الأمم المتحدة ، على النازحين في شلنر والبقعة .
فطنت الناس للشيخ أبو الثلاث سبعات ، بعد ما مرت ع احتلال القدس سنه ونص ، يعني أكثر من سبع تشهر ، يعني لازم يستنوا كمان سبع سنين ت إسرائيل تطلع من القدس ، يعني هذا قدر لازم نتقبله وما عنه مناص، وما في داعي نتعب حالنا لأنه المقدر مقدر ، لكن واحد قال وما كان معجيه هاحكي ، وينتا الله بحكي عن مقاديره لواحد من لناس ؟
بعد ما انبنى القصر وخلصوه ، والكل صار يتفرج عليه و يتباهى فيه ، واحد قال والله (منور) تعلم من الانجليز الدها، الانجليز دواهي ، شوف كيف حجز الناس من إنها تنزح ، ما وقف لهم في الطريق ، ولا فقعهم خطاب ، شغلهم في بنياية قصر، هو أصلا مش عاوزه ، وكبير عليه ، واحد ثاني قال يا عمي المتعلمين بيعرفوا كيف يشتغلوا ، لكن منور ما كان يتكلم ، ولا يشرح ، لكنه انبسط كثير لأن الناس فهمت الفكرة بدون ما حدا يشرح لهم إياها ، وفهموا أفكار ما قصدها ولا خطط لها ولا كانت جاي بخاطرة ، كل ما كان بذهنه هو إنه يصنع قدره بنفسه ، قدرة إنه يسكن هون مش بلندن ، ويقول للي بدّه يفهم ، من هـ المراح ما في رواح .