مقهــــى المغتربين
بقلم : سعادة أبو عراق
أبو عـنــــاد-6
صار لقهوة الهشاتين أو المغتربين ، جمهور كبير ،وصارت القعدة فيها متعة خاصة ، كأنهم قاعدين في تياتروا ، قصص خيالية ، وتمثيل ، وتهريج ، ونكات وتعليق ، حتى إللي مش معروف عنهم إنهم طلعوا برا ، صاروات يدسوا حالهم بالعافية .
أبوعناد واحد من هذول الناس ، زلمة كبير ، خدم في تركيا ، و محسوب على جماعة حضير الجامع ، إللي بحكوا عن عسكريتهم في الجيش التركي ، ومبين عليه زهق من خراريف الجندرمة ، إما لأنها صارت تتكرر وما فيها إشي جديد ، أو لأنه زِعل مع ناس فيهم ، فإجا على قهوة الهشاتين ، ولأنه زلمة كبير وما معة تعريفة يشرب كاسة شاي كان يقعد لحالة على حجر ، ويسمع وما يحكي ، حتى عرف مزاج الشباب هون ، وشاف عنده شغلات بيقدر يحكيها .
يوم من الأيام حضّر خريفية واستعد يحكيها لهم ، غيَّر قعدته ، يعني قعد في وسط القهوة ، في المحل إللي بقعد فيه إللي بحكوا ، طبعا القهوجي عارف إنه ما معاه ولا إللي ترن ، إجا عليه وقال له قهوتك عليّ ، وجاب له فنجان قهوة ، وواحد لف له سيجارة بشاري ، وأعطاه إياها ، ورحبوا فيه كأنهم مستغربين قعدته ، قالوا له كأنهم بمزحوا معاه ، اسمع يا أبو عناد ، إللي بقعد في هالقهوة لازم يجيب خريفية ما تتصدق ، قال لهم بس هيك ، أنا عندي خراريف بتطمركم ، قالوا له طيب سمعنا .
بيَّن على وجهه إنه تريّح ، وشعر إنه مقبول ، وصارت ابتسامته تلقائية وقال : أنا ما رحت على أميركا ولا اسبانيا ولا على أي بلد ، أنا كل إللي رحته على حوران ، بعد ما خلصت الحرب ، رحت مع إللي راحوا بعد ما انتهت حرب تركيا ، بلاد حوران بلاد خير ، ما فيها حدا بيجوع ، فيها سهول على مد بصرك ، واللي بيجي عندهم أول ما بيلفي على الشيخ ، بظيفه ثلاث تيام وثلث وبعدين بيسأله ، طبعا قلنا له جايين نشتغل ، قال حياكم الله . واعطى كل اتنين بغلة وعود حراث ، واشر إلنا بالعصاه على المنطقة إللي لازم نحرث فيها ، وقال لنا إلكم ألربع من القمح أو الشعير إللي بتزرعوه ، شفناها أكثر من طاقتنا ، لكن قلنا ألله بعين ، إحنا شباب وبنتحمل ، قعدنا ثلاث أسابيع نحرث حتى اشتت أول شتوة ، وبعدين قعدنا في مظافة الشيخ ، نشرب قهوة ونسمع قصيد ، ونسامر الظيوف ، ونوكل إللي قسمه الله .
واحد شافه طوّل بالمقدمة ، وحبّ ينبهة ، قال له وبعدين ، أي هي حراثة عشرين يوم قصة ، قام قال له ليش بصلتك محروقة ، شو أنا بدي أناولك نارة ، أنا هيك بخرف . قام قال له متأسف با أبو عناد ، وعشان أني زعلتك هاي سيجارة ، اخذها وقال : يعني في الشتا ما في شغل ، يعني كوانين ليش سموهم كوانين ، لأن الناس بتكن ،لا بتروح ولا بتيجي ، بتظل تِدَّفا على الكوانين ، وخاصة حوران بردها برد , وما بدي أطول عليكم كانت مظافة الشيح دايما عمرانه ، زلام العشيرة وظيوف مراقين طريق ، وناس بتتقاظى عند الشيخ ، وحكيم بدّاوي المرظانين ، غير خيالة الدولة إللي بتيجي تتسلبط باسم الوالي في الشام ، ويوم وإلا وهالعسكر الأنجليز لافيين على خيلهم ، ومن الزنار الأحمر إللي لابسينه عرفهم الشيخ وقال هذول قوة حدود ، هذول انجليز جيَّابين المصايب . فز يستقبلهم ، وفزينا معاه ، وهذا واجب الاحترام لكل واحد بيلفي مهما كان ،لما وصلوا باب الخيمة ، مبين إنهم طالعين دورية ، وواحد منهم تعبان معصب راسه وعينبه ، ويادوب عارف يسند حاله على الحصان ، وإحنا لما شفناه بها لحاله هذه ، مسكناه ونزلناه ، وقدناه لصدر الديوان ، وقدمنا لهم القهوة ، إللي شربوها بدون نفس ، وسألناهم شو ماله ، قاموا فكّوا عن راسه ، فإذا عينه طازَّة لبرة ومندندلة لتحت ، مثل بز البقرة ، وشو حمرا ، كأن الدم ناشف عليها ، راحوا نادوا الحكيم ، بلكي يشوف له طريقة ، على بين ما يوخذوه على الشام ، وهناك في دكاترة وسبيطارات ، أجا الحكيم بسرعة على فرسه البيضا ، ومعاه عدته ، ولما شاف عينه طازّّة ، تهول وقال أنا عمري ما شفت هيك حالة ، ولا بعرف كيف بتداوى ، ولما قال هيك ، الجماعة قاموا ، وكان الغدا بده يجهز ، فقالوا ما بنقدر نتأخر ، لازم نصل الشام قبل المغرب ، قلت لهم بتسمحولي أشوفه ، قالوا تفضل ، قربت عليه ، قامت طلعت في راسي فكرة ، أو الله ألهمني إياها ، قلت لهم اسمحولي أجرب ها الطريقة ، قال واحد ، ما دامك مش حكيم ما بنسمح لك ، قلت ما بدي أصيب العين ، بدي أشوف كعبه ، قالوا كعبه معلش ، شلح بسطارة وقلت له نام على بطنك ، نام ومد رجلييه شلحته جرابينه ، واطّلّعت على كعبه ، لقيت فيه بعجة مثل السرة ، قلت في نفسي ، إلقيتها ، طلت الشبرية من جنبي ، وسخنتها على النار شوية ، وقلت لهم امسكوه ، قعدوا على ظهرة ورجليه وسميت باسم الله ، ونقرت شوية في كعبه ، حتى بين طرف شرش ، ومسكته ، وسحبته ولفّيت طرفه على عود وصرت أبرم بالعود شوي شوي ، وكل ما سحبت شوي كل ما صارت ترجع العين ، وظليت أسحب أسحب حتى رجعت العين محلها تمام ، وصار يشوف فيها ، وبعديها عقدت الشرش ، حتى ما يرجع ثاني ، وحطيت على الجرح شوية قهوة وعصبته وقلت له الحمد لله على السلامة .
في واحد صاح : الحمد لله إللي بيظت وجوهنا عند الانجليز ، وإلا انخزينا قدامهم .
واحد ثاني قال وبعدين ، صرت دكتور ، قال بعدها ما استجريت أجرح واحد وما اشتغلت بها الشغلة ، رغم إنهم قالولي روح معنا ع بريطانيا ، علمنا هذه الشغلة ، لأن الإنكليز كثير منهم عينيهم طازة ، أنا ما قبلت ، لكنهم والشاهد الله ما قصَّروا معي ، أعطوني خمس ليرات ذهب انكلييزي ، كان كل إللي معهم ، ولما ما كان قادر يلبس البسطار ، قام قال وهذا البسطار إلك ، أخذته وإجيت فيه من حوران ، ولبسته هون عشر سنين .