مقهــــى المغتربين
بقلم : سعادة أبو عراق
أبو سليم السنكري- 9
أبو سليم أعظم سنكري في العالم ، هيك الناس بتقول عنه في سنجل ، مش لأنه بقول عن نفسه ، لكن لأنهم بيشوفوه بفك راس البابور المسكِّر أو إللي بشحبر ، بنفضة وبلحمة وبركب له عين وبخليه يرجع جديد لنغ ، وإذا إلرِِِجل فالته بلحمها ، وإذا بسيّل كاز بلحمه كمان ، وبفك البلف وإذا كان ما بعبي بركب له جلدة ، طبعا أبو سليم أعظم سنكري لأنه بصلح البابور إللي هو أعقد وأخطر آلة ،احدث تقنبة استعملوها ، ومش كل الناس بتقدر تدير البابور، وخاصة الكبار بتبارزوا مين إللي بيقدر يولعة ويطفيه ، ومش بس هيك ، أبو سليم بيقدر يصنع نكاشة للبابور من سلك التلفون ،وكما بيقدر يصلح القداحات إللي بتشتغل ع الكاز ، وبلحم فيها عروة ، وبشبكها بسنسال ، عشان الشباب وهي ماشية تبقى تلف السنسال ع اصبعها ، عشان هي لفت نظر البنات حتى تطّلَع عليهم، لأنه فيه غنوية شبابية بتقول { طلّي من شقوق الباب وشوفي سنسلة موسي وهذاكله من كله }كمان بلحم أباريق المي المخزوقة والمصدية ، وبساوي سراج يضوي ، وبيعمل من علبة زيت سيارات مرمية. بكرج قهوة وشاي ، أوكيلة مية للشرب .
من يوم ما إجا من يافا ع سنجل بعد النكبة بسنتين ، وهو مثار اهتمام ، إجا لابس طربوش ، وكل الناس كانت لابسة عقل ، وبحكي مدني كمان ، كان يقول عن حاله ميكانست ، يعني ميكانيكي ، كان بقول إنه بيصلح السيارات وماتورات البواخر وماتورات المي وبوابير الطحين ، وبقول ما إنه ما بيخفى عليه شي ، وإنه صار مشهور في العالم ، حتى الأرمن صاروا يتعلموا منه ، وإنه الملك فاروق طلبه من مصر ، حتى يصلح له سيارته ، لأنه ما في مصر واحد قدر يصلحها ، فكافأه بالف جنيه ، وقال له إذا يتحب أجوزك أحسن بنت في مصر بجوزك ، لكنه رفض بعدين تندم،ولحد الآن ما تجوز .
أهل سنجل صدقوا كل إللي قاله ، لكن ولا واحد سأل الميكانست ، شو جابه على بلد ما عليها طريق ، تمشي عليها السيارات ، وخاصة إنه تخصص في بوابير الكاز بعد ما كان خبير في بوابير البحر وبوابير الطحين والمي ، لكن المسكين لما طلعن الراديات ، وواحد جاب له رادو تيصلحه ما عرف ، وممكن إنه خربه ، قال هذا راديو راح موديلة لأن إللي صنعة هتلر ، وهتلر انكسر وراح ، ورفض يصلح الراديات ، لأنه تصليح الراديات اشتغل فيها وهو ولد ، وصارت مش من مستواه بعد ما صار معمر بوابير كاز.
وغير هيك ، صار ييجي ع البلد سنكرية متجولين ، يقعدوا في الساحة وباب الجامع يصلحوا أشياء جديدة ، وما كان يقدر يصلحها ، مثل علب الدخان إللي بتلف سجاير الهيشي والبشاري لحالها ، وكمان زرافيل الخزاين ، وزرافيل أبواب البيوت ، والساعات إم جرس إللي بترن ع الوقت ، فصار عنده قلق ، وخاف على وضعه كأحسن سنكري في العالم ، فلا هو بيقدر يمنعهم يخشوا البلد ، ولا بيقدر يعمل مثلهم .
في هالحاله هذه إللي شعر بالخطر ، صارت مكانته مثل قالب الزبدة تذوب شوي شوي ، بسبب هذول السنكرية إللي استهدوا ع البلد ، صار لازم يعمل حركة ، يوقف هـ الذوبان ، فراح يقعد ع القهوة ، ويستنى المناسبة إللي يحكي فيها ويسترجع هيبته ، ويحكي له قصة ما حدا جابها .
المهم ما صدق وواحد ينكشه ، حتى قال ، أنا عملت شغلة ، ما حبيت أحكي لكم إياها خوف ما تصدقوها ، رغم انها الجرايد كتبت عني والإذاعة كمان ، وإجا غلوب باشا من عمان وقال براوة يا أبو سليم .
قربوا عليه باهتمام كبير ، قالوا له ليش مخبيها لليوم ، إحنا عمرنا كذبناك بشي ، قال لا، بس خفت تقولوا عني ببالغ ، قالوا لا ، خذ راحتك ، قال هذه مش خريفة ، هذى صارت صحيح وفيه شهّاد كبارمثل غلوب باشا، روحوا اسألوه ، قالوا إحنا مصدقينك تفظل
قال؛ لما اطلعنا من يافا ، كان اليهود الملاعين عندهم دبابات ورشاشات ومصفحات عمرنا ما شفناها، وإحنا أواعي ما في علينا ، لكن الانجليز اولاد الحرام أعطوهم فوق هذا الطيارات ، إللي كانت عندهم في صرفند ، وإحنا ما عندنا الحمير نركبها ، وصارت تحوم فوق روسنا وإحنا حاملين أواعينا فوق روسنا وشاردين ، ولما تقصفنا بالرشاشات نصير نلادي فيها بالحجار ، لكن ما نقدر نصيبها .لما وصلنا القدس قلت في نفسي باطل ، هم الانجليز أفهم منّا ، لازم أصنع طيارة عشان نطرد اليهود الجبنا إللي ما بقدروا يواجهونا إلا بالطيارات والدبابات ، قمت رحت من القدس ع الخليل ، عند واحد مكنست صاحبي ، وقعدنا نفكر أنا وإياه ، كيف بدنا نصنع طيارة ، وقعدنا سنة ونص تـَ خلصناها ، نجيب من هون ونحط من هون ، نلحم ونقص ونجلِّس ونبشِّم،حتى صارت طيارة ،وحطيناها ع راس الجبل وطيرناها وطارت
صاح واحد وقال ولما إجيت عنّا ليش ما قلت لنا حتى نساوي طيارات بدل ما إحنا قاعدين ، قال ما هو أنا جاييكم بالحكي ، فبعد ما طارت قلت بدنا قنابل عشان نسقّطها ع اليهود ، قالوا لي الناس روح على أبو فارس ، قلت مين أبو فارس قالوا قائد الجيش العربي ، قمت رحت ، إلا هو انكليزي بيحكي بدوي ، قلت له هيك هيك ، بتعطينا قنابل وإلا بنسويها ؟ قال لا تتعب حالك بنعطيك قد ما بدك ، بس للأول بدي أشوفها ، قلت شو عليه روح معي ، وإجا وشافها وشاف كيف بتطير ،وانبسط كثير وقال لي براوة عليك ، بدنا نوخذها ندهنها في عمان ، ونخليك تساوي مثلها كثير حتى نكسر فيها اليهود ، واخذوني كمان ، وبدل ما ينيموني في الأوتيل نيموني في سجن المحطة ، ومبين غلوب هذا ما قال لهم عني الصحيح ، وصاروا يستجويوني ويسألوني ، بدهم يوخذوا مني سر الصنعة، وبعد أكم يوم قالوا لي كل ما بدك تساوي طيارة لا زم تحكي إلنا ، عشان ما حدا ييجي ويسرقها ، قلت طيب ،لكن لما رحت أطلب منهم أعمل عشرة ، قالوا لي إذا بتعمل بنحطك في الحبس،وقالوا لي تعال نورجيك الزنازين،قمت خفت
إللي في القهوة قالوا ما شاء الله ، لو خلوك تساوي كان فلسطين من زمان رجعت ، قال الانكليزاولاد حرام وخاصة غلوب هذا ، ما خلاني ، قالوا طيب ليش ما رحت ع مصر وإلا سوريا وإالعراق ، هناك ما في انكليز ، قال مهو ما كملت لكم ، فبعد ما ورجوني الزنازين وشافوني زعلت ، أخذوني يسترضوني عند واحد زابط، وقعدوني واحترموني وجابوا لي كباية شراب ، لحد الآن ماني داري شو شربت منها ، لكن ما طلعت إلا وأنا مدوور ، وما صحصح راسي إلا أنا ناسي كيف بتتساوى الطيارات ، كيف انسيت مش عارف ، لكن بظن إنهم عملوا لي سحر ، وشربوني إياه ، حتى نسيت كل إللي معي ، وصرت بعد ما كنت أصلح بوابير البحر يادوب أعرف أصلح بوابير الكاز