مقهــــى المغتربين
بقلم : سعادة أبو عراق
مناور - 16
مناور ، زلمة مغلب حاله ومغلب البلد معاه ، لأنه مش قادر يقنع حدا بأنه أعظم واحد في الدنيا ، وإنه زلمة خارق ، ولازم العالم يستغل مواهبه وقدراته ، وحرام هذا الهدر للطاقات البشرية ،ودايما بيحكي عن جد ، مش مثل الهشاتين في القهوة ، إللي متفقين إنه الهشته لازم تكون اختراع محلي ، وإلا بتصير استغباء للسامعين ، لكن مناور بيصرّ على استغباء الناس ، وبصرّ على إنه إللي بقوله حقيقة .
مناور دايما لابس قمبازمكوي وكندرة ملمعه ، وما عليها غبرة ، وحطة نظيفة ومنيَلة ، يعني بياضها بيعطي ع زراق ، وعقاله مرعز محطوط على عنطرة راسه ، بيمشي على روس أصابعيه ،لأنه بيخاف يتعجج وخاصة لو مرَّت من جنبه شلية غنم ، أو أولاد بيلعبوا الكرة بطابة شرايط ، أو حمار بتمعمل بالتراب ، ولما يقعد في القهوة ، لآزم يخلي بينه وبين الثانيين مسافة ، ما بخلي واحد يلزق فيه ، حتى يكون واضح كأنه عريس مصمود ، وإذا ما إجا على باله يحكي ، لازم الكل يكون ناصت ، وعينهم عليه ، حتى يشوفوا حركات إيديه وحواجبه ، ويسمعوا نغمة صوته ، فهذا الوضع بيجعلة مستمتع ، وبيشعره إنه زلمة مهم وله قدر وقيمة ، ما بيقصد في كلامه إنه يبالغ حتى يبهر الناس بالقصة الغريبة ويدهشهم في النهاية ، إنما عايز يقول إنه بيعمل أعمال ما بيقدر عليها واحد غيره ، فمره بيقول إنه هو إللي بيعرف ليش السفينه تيتنك غرقت ، ومره بيقول إنه شارك في حملة إزنهاور في اتخابات الرئاسة ، ولما عرض عليه منصب مدير البنوك ما أعجبه ، رفظ الوظيفة وزعل ودشر أميركا ، ومرة بيقول إنه كان مع لوممبا تبع الكنغو لما خطفوا طيارته وسلموه لشومبي ، حتى يذبحه تشومبي هذا ويوكل الكبدة تبعه نيَّة ، الناس ما بتسأله مين هو لوممبا ومين تشومبي ، لأنهم بيعرفوه دايما بيختلق أسامي بلاد وأسامي ناس ، فبوافقوا معاه ، لأنه هذا من لوازم الهشت .
من البلاد إللي اخترعها دولة اسمها هاش باش ، لكنهم قالوا له وين هذي هاش باش ، كنوع من التصديق والتحريض ، واعطاء الحيوية ، فقال هذي قريبة من اسكارا ، قالوا له وين اسكارا ، فبقول بعيدة ثمانين كيلو عن دوغ لاند ،فيقولوا وين دوغ لاند ، فبقول بجنب البلاد إللي انولد فيها روبرت بيم ، وبقولا مين روبرت بيم فبقول الزلمة إللي سرق البنك في واشنطن ، واحد إجا على باله يساله شواسم البنك وقديش سرق وبأي سنه ، لكن واحد ثاني شافها شغلة طويلة وما بتخلص وتصير قصة ثانية ، فصاح فيه وقال يعني للصبح ما بنستهدي ع البلد إللي حكى عنها ، دشرونا من هاللعبة ، وقال له حتى يرجعه للبداية : المهم شو صار معك في هذيك البلاد إللي قلت لنا إياها ، قام عدَل حاله كأنه صحي من النوم ، وقال آآآ... ما هو لازم تعرفوا وين هاش باش وتتأكدوا منها ، قالوا أحنا متأكدين وما بنكذبك ، بس شو عملت ، قال بعد ما جاب له القهوجي فنجان قهوة وولع له سيجارة لولو ، قال :
كنت بدي أسافر من هاش باش لاسكارا ، طبعا ما بقدر اسافر في السفينة ، لأني بضيع وقتي الثمين ، فلازم عشان أتابع شغلي ، أسافر بالطيارة ، رحت أقطع بوليت ، قالوا لي : خلص ،ما فيش بوليتات وما في وساع ، كيف بدي أساوي صرت اترجى فيهم عشان الله وعشان عيسى ومحمد ما في فايدة ، قلت لهم الرئيس صاحبي ما ردوا ، صرت المح لهم بالرشوة خافوا وما تجابوا، وأقول لهم تجارتي في خطر ، ولا اهتموا ، قلت لازم أعمل شي ، تذكرت سيارة خريوش إللي بتعرفوها زمان ، لما كنت اتعربش على الجناح ، فقلت ما لي غير أركب على جناح الطيارة ، منها إني ما بدفع حق البوليت ، ومنها بشم الهوا وأنا ع الجناح ، وبشوف الدنيا على كيفي ، وبصل لاسكارا في الوقت إللي بدي إياه ، فرحت ع المطار وظليت أراقب حتى دخلوا وراحوا ع الطيارة ، فقال لي الكنترول وين بوليتك ، فقلت له أنا مش مسافر ، أنا جاي أودع صاحبي ،قال لي طيب روح ، وسكر الباب ، وبعدين دوَّر المراوح تبعاتها ، وقبل ما تمشي إطلِعت على ذنبتها ، ومشيت على فوقها حتى وصلت للأنتين إللي فوق الشوفير ، مسكت فيه وقعدت ع الظهر حتى ما يشوفني ،وكأني راكب على حصان ، ولما طِلْعِت الطيارة في ناس شافوني صاروا يصيحوا ، ما بدري خايفين علي أوقع وإلا معجبين بشجاعتي ، وظليت راكب ومكيف والهوا بيلعب بشعراتي ، وفي نص الطريق ، وما شفت إلا ومروحة الطيارة وقفت ، والطيارة صارت تخوتل ، وشوفير الطيارة مش عارف شو بساوي والركاب خايفين وبصيحوا ،فقلت باطل ...، هذي ما بتصعب علي ، نزلت عن ظهرها ووقفت ع الجناح ، قام شافوني الركاب ، والشوفير طل من الشباك ، وقال منين إجيت ، إنت جني وإلا إنسي ؟ كيف سقطت من السما ؟ قلت له أنا إللي ما ركبتوني ، قال لي بتعرف تصلحها ، قلت له أعطيني صندوق العدة ، قام ناولني الصندوق ، ودسيت إيدي في الماتور وصرت أبعكش ، أفك من هون وأشد من هون ، وكنت خايف اسقِّط قطعة ع الأرض ، لكن الله ستر ، وصلحت الماتور ، وعندها قلت للشوفير انقر سلف ، نقر سلف واشتغلت ،عندها صارالركاب بصفقوا ويصفروا وشفير الطيارة فتح لي الباب ودخلت ، وصار الكل يقول لي تفضل ، حتى الشوفير قال لي اقعد ريحني شوية في السواقة لكني اعتذرت ،لأني كنت تعبان.
الشباب في القهوة صفقوا ، وقالوا والله إنك بطل ، لكن واحد قال له إنت بتعرف تسوق طيارة ، قام واحد ثاني تبرع يجاوب عنه ، وقال ياغبي إللي بيعرف يصلح الطيارة بعرفش يسوقها ؟ قالوا معك حق .
مناور انبسط وقال نسيت أقول لكم شغلة ، وأنا ابعكش في الماتور ، لقيت مدحاة حمامة ، وشلتها هي والمدحاة والبيظتين وصلحت الماتور ورجعتهم مرة ثانية ، رد قال واحد مليح إللي ما وقعتهم ، قال والله لو وقعت قشة لأنزل وراها وأجيبها ، قالوا له والله كفو يا مناور.