مقهــــى المغتربين
بقلم : سعادة أبو عراق
17- خلـــــف
من يوم ما إجا خلف من أمريكا ، ما قعد في البلد أسبوع ، دغري راح على عمان وتوظف هناك ، وصار ييجي كل شهر يومين ، الخميس والجمعة ، طول هالمدة ما حدا سأله شو بتشتغل في عمان ، ولاهوقال ، بيعرفوا إنه موظف وبقبض معاش ، بعرفوا إنه الوظيفة هي الشغل ، أما شو هو الشغل ما بسألوا عنه أبدا، لكن بعض إللي سألوا عرفوا إنه بترجم في شركة .
أخر خميس من كل شهر ، بيضبطوا أهل سنجل ساعاتهم على جينته ، ما في واحد على خلاف معاه ، هذا زلمة وسيم ، بيكون ماشي وسجارة سيِّد بين أصابعه ، كلامه حلو ، معشره مليح ، وأهم ما فيه دايما مبتسم ، وسن الذهب في ثمة دايما بيلمع ، بحب النكته وبيضحك عليها،وبنبسط على كل شي ، وبنكت ، والناس بستنوه كل خميس عشان خريفه بكون عاملها ومزبطها بدماغه ، ومحضرها حسب قواعد وأصول قهوة الهشاتين ، وخاصة إن الطريق طويلة بالباص بدها ثلاث أربع ساعات ، في نزول وطلوع العارضة وقورباتها ، هذا غيرالاستراحات . وبقول دايما أنا بس بتذكر إللي صار معي في أمريكا ، عشان يعطي مصداقية للقصة إللي بألفها .
مسا الخميس بروح يسهرع القهوة ، وبلاقي الشباب مستنينه ،وبدون ما ينقشوه ، بتنحنح ، وبقول ، أنا خايف أحكي عن اللي صار معي ، لأني خايف ما تصدقوني ، قالوا ولو ، إحنا عمرنا ما كذبناك ؟ فقال صح ، بس لأنه إللي صار معي إله علاقة بالسحر ، والمارتنيك إللي كنت فيها مش معروف عنها السحر ، استغربوا إنه في أمريكا سحرة ، قال وأنا مستغرب كمان ، قالوا طيب خرفنا ، قال :لما كنت رايح أزور واحد من بلدنا هناك ، قالوا شو أسمه قال اسمه عبد ، بيجوز ما بتعرفوه لأنه صار له زمان في هذيك البلاد ، قالو مش مهم ، كمّل ، قال: وبعد ما لَفِيت عليه ، وعمل لي هالغدا المحترم ، وتريحت شوي ، قال لي قوم تفرجيك على هالساحر ، إللي بساوي العجايب ، قلت له يا رجل هذا زلمة بستهبل الناس ، بدك تعملنا هبايل ، قال هذي البلد شو فيها شي بسلي؟ الناس ما بصدقوا وييجي تبعين السيرك ، أو هذول السحرة ، يالله قوم تنتفرج ، في الطريق قلت له أول مرة بسمع إنه الأميركان بتعاملوا بالسحر ، قال هم الأميركان مش من البشر ، قلت تنشوف ، ولما وصلنا ساحة البلد ، وإلا كل البلد متجمهرين ، والساحر في الوسط ، مرة بيبلع سكاكين وشفرات ، ومرة بيطلع من ثمه حيايا ، ومرة بيطير لهم الحمام من كمه ، وبطلع من جيوب بعظ الواقفين ليرات ذهب ، عبد لَكَزْني وقال لي : لو تعرف قديش أهل البلد بيخافوا منه ، قلت ولو ، على إيش بخافوا منه ؟ قال بيقدر يطلع لهم من الغابة الأسود والضباع والغيلان ، وإذا بده الأمراض والمجاعة والقحط ، وبخافوا كمان يمسخهم قرود أو بقر أو أرانب ، أو أي شي ، قلت أعوذ بالله هذا مستحيل ، أثريت الساحر سامعني ، فقال لي شو رايك أسحرك وأخليك أي حيوان بدك إياه ؟ ضحكت وقلت إذا بتقدر حولني حمار ، قال شايف هذيك الحمارة ، بمسخك زيها ، قلت طيب ، صار يقرا ويعزم وبعمل حركات كأنه بيلعب يوغا ويقرا عليّ ويروح ينفخ بالهوا ، وفي الأخير بخ عليّ شوية ميّ من ثمه ، إلا أنا واقف على أربعة ، شايف حالي حمار ومش زعلان ، ومنسجم مع نفسي ، شايف الناس وسامعهم شو بحكوا ، بس ما لي نفس أحكي معهم أو مش قادر، يعني ظليت واعي إني انسان حسب ما أنا عليه من أفكار وذكريات ، صرت حمار شكلا ونفسية ، ومش قادر إلا إني أعمل مثل ما بتعمل الحمير، يعني واقف مبهم ومندندل ذني مش عارف شو بدي أساوي، ولما رفعت راسي شفتلكم هالحمارة واقفة بعيد ، صرت بدي أنادي عليها ، أثريتني صرت أنهق، وما بعرف أحكي إلا بالنهيق ، المهم سمعتني بنهق قامت نهقت علي وقالت لي شو بدك ، قلت لها تعالي فهميني ودليني كيف اتصرف ، نهقت وقالت لا... إنت تعال ، قلت في نفسي هي الأناثي كلها مثل بعض ؟ ولازم تتدلل ، المهم ما قدرت أقاوم ولا أقول لا ، وسحبت حالي ورحت وأنا أنهق تهيق زي المشاهقة ، وفهمت معنى هذا الهيق كأنه غزل ، وكأنها استحت من المغازلة المكشوفة ، ما وصلتها حتى دارت لي قفاها ، قلت شو هالاستقبال ، همهمت شوي ، يعني أنا زعلان ، فما اكترثت ، قلت والله بتسوى نداريها ، صرت ادغدغ فيها بثمي تحت أباطها ، قامت دارت راسها عليّ ونفخت في وجهي ، كأنها قالت لي بلا برادة ، وراحت أبعدت ، تذكرت شو كانت تساوي معي البنات ، لحقتها وصرت أخنفر لها في ذنيها ، لكنها أبعدت راسها ، ورفعته كأنها بتغريني برقبتها الطويلة ، وراحت لبعيد ، لكني لحقتها ، وما قربت عليها حتى صارت تخرج أشكال ألوان وتطلع روايح ما شاء الله عليها ، قلت لها هذا وقته ؟، لكنها روايح ما عرفت كيف شفتها طيبة ، فرفعت راسي وفتحت مناخيري ووقفعت شلاطيفي وأخذت نفس ،عشان أقول لها ما أزكى هالريحة ، وهي صارت تلوك بلبان في ثمها أو شي مش عارفه شو ، وراحت تبعد والناس بتفرجوا علينا ، لكني ما كنت مهتم ، قمت هجمت عليها وعضيتها برقبتها ، لكنها فلتت مني ودارت لي قفاها وظربتني شلوط على اسناني ، قمت صهلت مثل الحصان الزعلان ، وقلت لها ول عليك ، شو هالمزح الثقيل ؟ قالت لي وهي قاعدة بتبعد ، بدك تتحمل ، ليش إنت مش حمار ، وإلا بدك توكلها بالساهل ، قلت لها طيب وين ماخذتيني ، قالت أنت إللي لا حقتي ؟ أنا ما بقول لك تعال ، لكن مبين إنه الناس كانوا شايفينا ، وما بدهم إيانا نبعد ، وعارفين نوايانا السافلة ، فإجا واحد وأخذ الحمارة وركب عليها وضربني عصاتين خلاني انقهر بعد ما قربت أعمل إللي بدي إياه ، ولما إجا الساحر يوخذني ، كنت منفعل ، صرّيت ذنيّ لورا، ورفعت ذنبتي لفوق مثل الكرباج وهجمت عليه وعظينه بكتفه ، ودرت له قفاي وصرت ارقعه شلاليط ،وهو بينهزم وخايف عن جد، وصارت الناس توقف بوجهى ، حتى راح على غراضة وطال قنينة وأخذ جغب وبخ علي ، فما شفت حالي إلا أنا خلف مرة ثانية واقف على رجلتين ثنتين مش أربعة.
إللي في القهوة انبسطوا على هالخريفية إللي ما واحد جابها قبل هالمرة ، فقال واحد لو إنه مسخك حمارة كيف شعورك بالحمار وهو جاي عليك ، فقال لا مش ممكن أخليه يقرب علي ، أعوذ بالله ، اي الأسد ما بقدر يوقف قدام الحمار ، واحد قال له : كيف شفتها ؟ من أحسن لك تكون بني آدم وإلا حمار ، قال له: الحمار فيه شغلات حلوة ، فبعض المرات بيتمنى الإنسان يكون فيها حمار .