مقهــــى المغتربين
بقلم : سعادة أبو عراق
18 - السناجلة والترامسة
ما حدا بيعرف وينتا ابتدت المناقرة والمناكفة بين أهل سنجل وأهل ترمسعيا ،أظنها قبل ما صار الشرق والغرب ، والروم والفرس ، والكفار والمسلمين ، والعرب والعجم ، والقيس واليمن ، والحسيني والنشاشيبي ، وكمان قبل فتح وحماس ، هذول بلدين ما بتعاملوا مع بعض على اساس إنهم قريتين بينهم الشارع الواصل بين نابلس والقدس ، إنما بيتعاملوا كأنهم حضارتين من حضارات التاريخ ، كل حضارة إلها منجزاتها إللي بتفخر فيها .
بعض إللي حللوا الظاهرة هذه في جامعة بير زيت وجامعة النجاح من علماء النفس والإجتماع ، أرجعوا أصل هذه الحرب الباردة بين السناجلة والترامسة ، إلى موقع كل من البلدين ، سنجل على الجبل وترمسعيا في السهل ، السناجلة بيتطلعوا على الترامسة من فوق ، يعني نظرة استعلائية أثرت على نظرة الترامسة للسناجلة إللي من تحت لفوق ، شغلة ثانية السناجلة ساكنين الجبل الوعر وهذا خلاهم نكدين وعقولهم متحجرة مثل الصخر ، بينما الترامسة ساكنين في وسط سهل كفر استونا ، فصارت لهجتهم لينة ومتسامحين ، وهذا غذّا طمع السناجلة فيهم ، إللي عقولهم ناشفة .
الترامسة من زمان اكتشفوا إن الشمس بتطلع من عندهم وبعدين بتغرّب على سنجل ، فحاولوا تغيير مسار الشمس حتى لا تمر على سنجل ، فراحوا يقعدولها بوسط الطريق عند خربة أبو فلاح , حتى ينقّزوها ويخوفوها ويخلوها تبعد عن سنجل ، وتغير طريقها وخاصة في الشتوية ، وتروح بعيد للجنوب فوق المزرعة الشرقية وسلواد و من هناك بتغرب فوق جفنا وبير زيت والجلزون ودير أبو مشعل والنبي صالح ، وتظل ماشية حتى تغطس في البحر ، لكن السناجلة شو بدهم يساووا حتى يردوا ع الترامسة إللي بعدوا الشمس عنهم ، شافوا النسيم إللي جاي في الصيف من جهة البحر ،والغيم إللي بيجيب المطر في الشتوية بيجي من غربه وبمر من فوقهم ، وبشرّق ع ترمسعيا ، فحولوا طريق الريح والغيم على اللبن والساوية وعلى قريوت وصار ما ييجي على ترمسعيا شي، فصارت ترمسعيا حارّة في الصيف ، مثل ما سنجل باردة في الشتا .
وما دام العلاقة بينهم هيك من زمان ، فدايما المشاكل بينهم بتصير لأتفه الأسباب ، فقبل أكثر ميت سنه صارت مشكلة وصار الدم للركب ، هذا يا سيدي العزيز ، حسب ما بقولوا السناجلة إنه أول واحد راح ع أميركا من العرب كان حميدة ، ولما وصل هناك صار يشتغل في المزارع في البرازيل ، يرعى بقر، ويحلبها ويعمل جبنة. لكن شاف عندهم ذرة غير إلذرة البيضة إللي بيطعموها للبقر في سنجل ، وبساووا منها كراديش ، بيوكلوها مع زيت وبتقعد المعدة يومين تهضم فيها ، شاف ذرة مثل اسنان الذهب ، شو حلوة ، وشو زاكية مع الشوي ع النار ، شو مفيدة ، ومش هذا بس ، بيقولوا بتطلّع دايما حبات ذهب اربعة وعشرين قيراط ، بيلاقوها الفلاحين وهم بيفرطوا بالحب ، وطبعا إللي بيلاقيها بيستغني ، وهذا الشخص بكون صادق بحب زراعة الذرة ، وبحب الناس وما بغش ولا عنده نية عاطلة ، ولما سمع حميدة هالمواصفات قال والله استغنينا ، أنا زلمة طيب ونيتي صافية وبحب الناس وبحب شجرة الذرة ، بوخذ منها وبزرع في سنجل ، ولو طلع لي أكم حبة ذره ذهب ، نعمة وبركة ، فبعد ما حصدوا لذرة أخذ أجرته ، وقال لهم بدي أروح ، وطلب منهم شوال ذرة يوخذه معاه ، وطبعا ما بخلوا عليه ، لأنه الغلة كان فيها بركة ,
ولما لفى على سنجل وما كان جايب إلا شوال ها الذرة ، اضطر إنه يحكي لهم عن السر ، وكمان لأنه ما عنده أصلا أرض يزرع فيها ، فهو محتاج أرض يزرع فيها ، فأعطى الناس ذره يزرعوها ، بس على شرط يعطوه حبات الذهب وشوية من المحصول ، واتفقوا ع هالأساس ، والمشكلة إنهم زرعوها في القطاع ، يعني في المساحة الفاصلة بين البلدين ، لكن الناس ظلت تحلم بحبات الذهب ، وصارت تستنى في هالشجرة إللي بتثمر ذهب .وبالتأكيد وصل الخبر لأهل ترمسعيا ، لكن الترامسة كانوا خبيثين عاملين حالهم مش شايفين شجرة عمرهم ما شافوا مثاها ، أهل سنجل ظلوا يطلوا دايما على الذرة تيشوفوا كيف بدها تساوي حبات الذهب ، لكن في يوم من ألأيام ، استفاقوا من الصبح وطلوا ع القطاع ما لقوا ولا نبته ، هجموا على الترامسة وصارت معركة ، وإجا الجيش التركي وسيطر على الوضع وعمل تحقيق ، وفتشوا بيوت الترامسة كلها فما وجدوا ولا حبة ذرة ، ولا لقوا أثر للقصب ولا للقش ، والوالي حط الحق على السناجلة ، لأنه ما وجد دليل ، ودفّعهم الديات والتعويضات ، وأصدر فرامان ، كل واحد بلاقوا عنده حبة ذرة واحدة بيتعلق ع المشنقة ، السناجلة كتموها ، وصالروا ينفخوا ، لأنه الذهب راح منهم ، داير سنه ، لما طلع الربيع ، ما شافوا إلا سهل كفر ستونا كلة منبت ذرة ، أثريتهم ما حطوه في الخوابي ، إنما نثروه في الأرض ، السناجلة فزعوا ع الوالي في الشام ، قالوا له تعال شوف ، لما إجا وشاف ، صار يسأل الترامسة ، قالوا إنه عواد الترمسعاوي كان مروح من أميركا ومعاه عشر شوالات ، وعلى ظهر البابور شافه حميدة ، وسلم عليه لأنه من خواله ، وطلب منه شوال يوخذه معاه ، فأعطاه الشوال ، ولما وصلوا مينا حيفا ، لما شافوا عواد معاه تسع شوالان ، قالوا له عليك جمرك ، ولما شافوا حميدة ومعاه شوال واحد ، قالوا له طز ، صاح واحد سنجلاوي طز فيك إنت ، قاله هذي الطز معناها امشي ما عليك ضريبة ، يعني إحنا زرعناها من إللي جابهم عواد ، الوالي ما اقتنع لأنه لو هذا صحيح كان وجدهم لما فتشوا البلد، او ع القليلة حكوا وقالوا عنا ذرة ، وما ناقشهم كثير لأنه كان في راسه فكرة ثانية ، فراح جاب العسكر وحوط على السهل ، واستولى على المحصول ولا خلى حدا يقرب على حبة ، وعبا الذرة في شوالات ودّها على استنبول ، وخلى السناجلة والترامسة كل واحد يحط الحق على الثاني ، وظلوا مدة طويلة بيشوفوا إنهم الاثنين خسروا ، ليوم ما شافوا في دكاكين الشام ببيعوا ذرة ، قالوا لهم شو هذه قال هذه إذرة شامية ، السناجلة قالوا لا ... هذه ذرة سنجلاوية والترامسة قالوا لا... ذرة ترمسعاوية ، وصاروا يتقاتلوا ، نسميها هيك وإلا هيك ، لكن ما حدا سمعهم ، في واحد سنجلاوي عاقل قال شو رايكم تسموها ذرة فرنجية ، واحد ترمسعاوي قال نسميها ذرة صفرا ، وبلاد الشام سمعوا مقاتلتهم ، فناس سموها في بلاد الشام ذرة فرنجية ، وناس سموها ذرة صفرا , أما في تركيا فظلوا يسموها ذرة شامية وفي رومانيا وبلغاريا واليونان ذرة تركية لأنه تركيا أعطتهم منها
لما صاروا يسمعوا إنه في مصر وتركيا بيقولوا هذي ذرة شامية ، بطلوا يتناقروا ويتجاكروا ، لأنهم عرفوا إنهم عملوا عمل مشترك مفيد ولو إنه كان غصب عنهم ، وبدون تخطيط منهم .