مقهــــى المغتربين
بقلم : سعادة أبو عراق
20 - أبو شمرة
اسم أبو شمرا الحقيقي هو ( عطية علي )، لكنه مثل كل الزعران إللي بحبو يبينوا حالهم في الحارة ، باسم رنان مثل العقرب أو المبرد أو الجني أو الجوكر، حتى يكون لهم مكانه ، سمى (عطية علي) حاله أبو شمرة ، وطبعا ما بنفهم شو بيعني له هذا الاسم ، لكن الناس شافته مناسب ومعبر ، لأنه دايما صيف شتا مشمر قميصه من إيديه ، كأنه بده يستعرض عضلات ذراعه إللي بتوهمها عضلات بترسون ، ذراعه جلد وعظم ، وجلدة اسمر ناشف ، وخدوده صافقه ع نياعه ، وشواربه مهدولة على لحيته ، وعينيه مبحلقة وطالعة من راسه ، وشروش رقبته مطنبة مثل شروش الشجرة، نظراته مش مريحة ولا فيها تعبير كأنها عين كزاز ، زلمة قصير ونحيف ، بمشي قمز ،ما عنده رزانة الرجال ولا هيبة إللي في سنه .
ابو شمرة ما له صاحب ولا صديق ، لأنه دايما بحكي على الناس ، كأنه له ثار عند الجميع ، فإذا ما مزح معاه واحد أو غلط معاه ، فمعناها صارت مشكلة كبيرة ، فما بقدر يسكت أو ينهي مناقرة ، غالبا الناس ما بترد عليه ، لأنها بتعرفه مش قد تهديداته ،ولما يشوفهم اختصروا الشر وراحوا ، ما بخلي مسبة عاطلة ولا جارحة إلا بقولها ، ولما واحد يقل عقله من عقله ، وبضربه ، فوقتيها بيقع وبروح يشكي لمغفر عيون الحرمية ، وبيوخذ ربور طبي من الدكتور ، وهات يابوا الهات تنتهي المشكلة ،
أبو شمرة هو هيك ، منحرف المزاج دايما ، كأن عنده مشكلة في الأعصاب ، بظل يصر على أسنانه ، بيطلّع على الواحد كانه بده يوكله، ولما سافر على اميركا ما واحد ودعه ، ولا سهر عنده ليلة السفر ، فسافر كأنه ولا له وجود في البلد .
وبعد أكم سنه رجع مثل ما هو ، نفس القميص المشمر والبنطلون الوسيع والمحزوق على وسطه ، ونفس مشية التكمّز ، الناس ما نسيت شخصيته ، لكن مبين إنه حسّب الناس غيرت فكرتها عنه ، فراح قعد ع القهوة ، وبدون المراسيم المعروفة في القهوة ، صار بده يحكي كأنه مستعجل ، الموجودين ما حبوا يكسروا بخاطرة ، وقعدوا يسمعوا له ، أول ما قال أنا قتلت واحد في اميركا ، فكانت صدمة على آذان الموجودين ، فكل واحد دار وجهه وقام ، وتركوه يحكي لحاله ، لأنه أولا ما بدهم واحد يحكي قصة قتل لأنها قصة القتل غير ممتعة ولا مقبولة وخصوصا من واحد ما عنده روح النكتة، بعد هيك لما ما وجد واحد يسمع له ، كل ما شاف واحد صار يفتح معاه حديث ، يقول له أنا قتلت أكبر راس بالمافيا إللي في شيكاغو ، ويسرد قصة بوليسية ، ولما يختلي بواحد ثاني بقول بدي أقول لك هالسر ، لكن لا تحكي ، أنا قتلت واحد يهودي كبير كل مصاري اسرائيل منه ، فبعد هيك راح اسرائيل تنكسر، ونحررها إن شاء الله ، ومع واحد ثالث بقول إنه دخل ع البنك ورفع المسدس عليهم وقتل الصراف وأخذ شوال دولارات ، لكن لما حاصروه ترك الشوال ونط على اكتاف الناس ومن كتف واحد لكتف واحد ثاني مثل السعدان ، وما قدر واحد يمسكة ،أو يعرفه ، لأنهم التهو بالكيس ، وبعدين الناس عرفت خراريفه الفاظية وبطل حدا يسمع له ، لأنه واحد ذكي عدّ إللي قتلهم في امريكا طلعوا أربعين .
حب يغير مكان بطولاته ، صار يحكي عن جرايم قتل عملها في سنجل والقرى المجاورة ، ويقول ذبحت فلان بالسكين لأني وجدته مع وحدة في المغارة ، ومرة ثانية قال في واحد سبّ علي قمت رحت عليه ، وهو يحصد ، أخذت المنجل منه ، وقطعت راسه فيه ، الناس صارت تتساءل شوإللي بده يقولة من هالقصص ، لأنه بحكي عن سنجل كأنها شيكاغو ، الناس ما بتعرف بعضها ، لذلك ما كان يسالوه عن هذا إللي قتله بالمنجل أو السكين ، وآخر ما حكى عن مراه شافها في الطريق وقال لها وقفي ، وهاتي قلادة الذهب ، وأخذها غصب ٍ عنها ، ولما صارت تصرخ ، خاف تلم الناس عليه ، قام ضربها كف وقعها الأرض وبعدين جاب هالدبشه وظربها براسها ، إلا هو مسطوح ، وتركها وراح ، هاذي الحكاية بقدر ما هي مقززة ، وغير مقبولة ، لكن تداولتها الناس كأنها بتقول وبعدين ؟ لأنه صار ظاهرة غير مريحة في البلد .
وبعد أكم يوم وجدوا مراه مقتولة ومرمية في وادي المِغْسَل ، في الطريق بين ترمسعيا وقريوت ، وإجت المباحث ع البلاد الثلاثة ؛ سنجل وترمسعيا وقريوت ، حتى تحقق وتعرف القاتل ، صاروا يسالوا ويستفسروا ، سمعوا بقصة أبو شمرة ، فجابوه وهو مش داري شو صار ، وسألوه ، فانبسط لأنه لقي أخيرا واحد يهتم باللي بقولة ، سألوه إن كان بيعرف مين قتل المرة ، فقال بكل بساطة : أنا ، وصار يحلف إنه قتلها ، الشرطة والمباحث الجنائية استغربوا ، إن كان بتخوث عليهم ، أو هو مجنون أو مختل ، أو أنه مجرم محترف حتى يحكي كأنه قتل صرصور ، وخاصة إنه وصف الجريمة والموقع ولباس المرة وأداة القتل تمام التمام ، حتى زمن وقوع الجريمة أثبت إنه كان موجود في المنطقة ، فاعتقلوه وأخذوه ع الحبس ، وهناك كمّل معاه المدعي العام ، وأخذ شهادات أهل سنجل عن شخصيته الشرَانية ، وإنه دايما بهدد الناس بالذبح والقتل والشنق ، والمدعي العام إللي ما وجد دليل اتهام ضد واحد ثاني ، فأثبت عليه الجريمة ، والقاضي حكم عليه بالإعدام شنقا حتى الموت .
بعد الحكم صار يقول أنا ما قتلت ، ولا بعرف هذي المرة ، أنا كنت أحكي حكي ، ولما إجا قرايبه حسب العادات العشايرية يوخذوا منه الصافين حتى يعرفوا كيف يتعاملوا مع أهل المراه ، إن كان قتل المرة أولا، قال أنا ما قتلت لا زلمة ولا مرة ، قالوا كيف ، يعني حدا تبلى عليك ، سكت وقال ، والله العظيم ما قتلت حدا ، أنا قتلت واحد في اميركا ، كان طالع من البنك ورايح يحشش في زقاق ، مشيت وراه وخليته حتى سطل ، واجيت عليه وظربته على راسه ، بعد ما مات فتشت جيوبه ولقيت معاه ثلاث دولارات ، بعدها ما قدرت أقعد ، إجيت وأنا نادم ، بخاطري أحكي للناس بلكي خفف شي من إللي جواي ، بلكي تريح ضميري ، لكن ولا واحد سمعني ، ولا واحد فهم شو بدي ، صرت أحكي إني ذبحت وقتلت ، بلكي أزيح هالبلاطة إللي على صدري ، حكيت عن عشرات الناس إللي قتلتهم بخيالي ، لكن بالصدفة تطابقت قصتي هذي مع الواقع . الناس صارت تتطلع على بعض ، مش داريين شو بدهم يقولوا ، هذا إللي بيسمعوه حلم وإلا خيال ؟ قام واحد قال : نصيبه ، واحد ثاني قال : مبيّن واحد سمع قصة المراه إللي قتلها آخر مرة ، راح طبقها ، حتى تلزق فيه.
أما أبو شمرا قال كلمة راحت مثل ، أنا هيك تريحت ، العقاب بوجعك شوي لكن بريحك على طول .