فتيان الحجارة
سعادة عودة أبو عراق
فتيان الحجارة
قصص قصيرة
منشورات دار آسيا للنشر والتوزيع
رقم الإيداع323/7/1984
الطبعة الأولى
1985
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الإهــداء
إلى أحبائي ؛ مناف ومحمد ، إنها أحداث
لم تشهدوها ، دعوني أقصهاعليكم
سعادة
القصة الرابعة
المـــقلاع
إنه الفتى داوود ، يمتد عمره بين الحزيرانين، كئيبا متكاسلا، ينوء باسمه الذي يجثم عليه كشيء لا يطاق ،ولا يدري لماذا يكره هذا الآسم ، وكم يتمنى لوكان اسمه زيادا أو أحمد أو عصاما ، فهذه الواوات المتلاحقة تجعل للصوت دويا لا يستريح له السمع ولا يستسيغه الذوق السليم أوالأذن السوية ، اسم ليس له معنى واضح ولايدل على صفة أو خلق .
يحاول الفتى أن ينسى أو يتعلل بالأسماء الشاذة التي تشبهالسباب، يسأل والده كأنه يعاتبه :
- لماذا أسميتني بهذا الإسم ؟
يغتبط الأب لهذا السؤال ويجيب بحبور :
- إنه أسم النبي داوود ، نبي من أنبياء الله ، أرسله الله إلى بني إسرائيل ،إننا يا بني نقدس الأنبياء ، لانفرق بين أحد من رسله ،نجلهم ونحترمهم جميعا ، أسماني أبي سليمان على اسم نبي وأنا أسمينتك على اسم أبيه داوود .
يسكت الفتى ، لكن هذا التطويل الذي يدل على احتفاء بالسؤال ،لم يبدد القلق القائم في نفسه ، فلماذا لم يسمه يوسف أو يحيى ، لماذا هذا الإسم المقلقل ، فليسامحك الله يا أبي كم كان اختيارك أحادي الهدف ،لست ملاما في ذلك ، فثقافتك لا تسعفك لاختيار الجميل الموحي ،والثري العميق .
يقول لأستاذ التربية الدينية كأنه يسأل عن بديهية:
من هو داوود عليه السلام ؟
يشعر الأستاذ بأهمية السؤال رغم رداءة الصياغة .
- داوود نبي من انبياء اليهود ، وملك من ملوكهم ، استطاع أن يبني دولة بني اسرائيل ، ويحكم المنطقة الوسطى من فلسطين ،ويجعلها من نابلس الى الخليل ،وحينما مات خلفه ابنه سليمان وحكم الجن والانس ،وبعد ان مات انقسمت الدولة الى قسمين ،اسرائيل في الشمال ويهودا في الجنوب .
يسكت المعلم مكتفيا ويسكت الفتى على ظمأ ، فما معنى أن يكون ملكا ونبيا ،انه ليس بطلا بشريا يحتذى ، ولا يدفع سميه الى التقليد والتقمص ،كخالد مثلا ، بطل ملأ التاريخ مجدا وعظمة لماذا يحمل اسما يهوديا؟ ربما لم يكن ابوه يكن عداء لليهود كما يكنه الابن ،ولم يستشعر العداء ،كما نستشعر اليوم،لماذا لم يختر له ابوه اسما كمصعب أو بلال أو طارق.
يضيف الاستاذ بعض التوضيح .
- لا تنشد اخبارا غير هذه الاخبار ،هناك أخبار وردت في التوراه ،لا اذكرها لك ولا اشجعك على معرفتها كقصة قتله جوليات.
ومن تراه جوليات هذا ،كيف قتله ،لا بد أن يرى في داوود شيئا غير النبوة والملك ، شيء يحتذى ويبررهذا اللفظ المدورلا بد أن استاذ التاريخ يعرف شيئا .
يقول استاذ التاريخ برحابة صدر:
- لا تشغل نفسك بهذه القصص ،انها أساطير وضعها الاسرائيليون في بابل يتسلون بها ويذكرون مجدهم وهم في أسر بختنصر .
لماذا يصرون على قتل التساؤل هذا ،لماذا يتجاهلون الرغبة الجادة والقلق الساخن ،وهذا السؤال الذي يكبر باستمرار والجواب الذي يصوغ له مبرر الوجود ،وينتقي له طريقا من بين مجتمع طرق ،لا بد أن تعرف ولا بد أن تسأل وتستنبط ، فالاساطير وكتب التاريخ والقصص تخبرك أن جوليات كان فلسطينيا ،وكان طويلا عريضا ،لم يبلغ انسان ما بلغه من ضخامة في القوة وسعة في العلم وتخبرك أن جيوش العبريين كانت تتهاوى امامه وكانوا يفرون منه ويهزمهم في كل معركة ،الى أن جاء الصبي داوود ،تاركا اغنام والده في بيت لحم ،منضما الى جيش الاسرائيليين يحمل مقلاعا في يده كان قد اخترعه ،وقف امام جوليات ،وقذفه بالمقلاع ،فاصاب منه جبهته ،فوقع على الارض ميتا ،وهكذا فعل الصبي ما لم تستطه القادة والجيوش .
هل ابردت غليلك يا داوود ،فما عساك أن تفعل اليوم ،تتمنى لو كان اسم الفلسطيني داوود والعبراني جوليات ،لعلها قد تتطابق مع الواقع الراهن ،ولكن ألا تعلم ان كثيرا من الامور قد تغيرت وعكسها الزمن ،عكس الاسماء والاحداث ،عكس المنطق والاخلاق ، فما عساك أن تفعل الان ،لقد اخترع داوود المقلاع ،فماذا تخترع في عصر الصواريخ يا داوود
يسال داوود اباه عن المقلاع ،وكيف يصنع وكيف يكون .
- انه بسيط يا بني ،قطعة من الجلد بحجم الكف ،مربوط في طرفيها حبلان طويلان طول ذراع ،وحينما يوضع الحجر في القطعة يمسك بطرفي الحبلين ويدور في الهواء عدة دورات حتى يأخذ عزما وتسارعا ،وحينما يفلت احد الحبلين ينطلق الحجر الى مسافات بعيدة .
ويغيب الفتى داوود اياما ،ويقول فتى لزميله.
- هل تعلم أن داوود في السجن .
- لماذا؟
- لانه هو الذي ضرب الجنرال الاسرائيلي بالمقلاع الذي كان معه.
- وماذا بعد
- قالت الاخبار أن جراحا كانت بليغة في رأسه ،وانه في حالة خطر
- ....................
- ....................
- وهل تعرف كيف يصنع المقلاع .
25/7/1983