فتيان الحجارة
سعادة عودة أبو عراق
فتيان الحجارة
قصص قصيرة
منشورات دار آسيا للنشر والتوزيع
رقم الإيداع323/7/1984
الطبعة الأولى
1985
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الإهــداء
إلى أحبائي ؛ مناف ومحمد ، إنها أحداث
لم تشهدوها ، دعوني أقصهاعليكم
سعادة
القصة التاسعة
الرياضة الجديدة
______________________________________
النشاط غير عادي ،والاستعداد فوق العادة،والتمارين تأخذ جدية فوق المألوف ،فالمباراة القادمة حاسمة جداً ، إنها ليست مباراة بين فريقي مدرستين ، بل تنافس قريتين متجاورتين يشارك بها المعلمون والاهالي وأعضاء المجلس القروي ، والفريق متوتر فالرهان عظيم ، تعلق عليه الامال ، وتبذل له الوعود والجوائز ، فالامم المتحضرة هي التي تعتني بالرياضة : المانيا وروسيا وبريطانيا عظيمة في كل شيئ ، عظيمة بالرياضة .
يقرع الجرس وتنتهي الحصة الاخيرة ، وتخرج الافواج متزاحمة من القاعات ، يتدفقون الى ملعب كرة القدم ، يشاهدون التمرينات ، المدير ينادي بمكبرات الصوت، يذكرهم بالمحاضرة الاسبوعية، يعيد التنبيه ، لكن الطلاب لا يأبهون ،ينخرطون في نقاش حاد حول مستوى الفريقين والاحتمالات المتوقعة ،يمضي الكثير ولا يدخل الا القليل الى القاعة ، يلجأ إلى إقفال البوابة ، وإنهاء التمرينات الرياضية ، ويؤكد لهم وجوب الاستماع الى المحاضرة ،ويعلنانها ستكون عن الرياضة،يخصص المدير دعواته للصفوف الثانوية ومن يرغب من الصفوف الاعدادية ،يمتعضون ،يسبون ،يتساءلون عن هذه المحاضرات الاضافية ،ألا يكفي ست حصص يوميا ،ومتى كان عن الرياضة محاضرات كالاقتصاد والسياسة والعلوم .
تمتلئ القاعة امتلاءً يغبط المدير ، ويغبط الاستاذ المحاضر الذي خلف المنضدة ، يأتي عضو اللجنة الثقافية يرحب بالحضور ، يقدم الاستاذ رشيد العبد ، وموضوع المحاضرة ، يسكت الجميع ، والطالب محمد علي ينصت باهتمام ، اسماه أهله بهذا الاسم تيمنا بالملاكم محمد علي ،عله يصبح عظيما ، يصبح بطلا ، فيعشقه الفتى ،ويعلق صورته فوق سريره ،ويتمنى ان يكون مثله ، بطلا قويا يصرع الابطال يتحرك كالفراشة ويلسع كالنحلة ،اسلم ورفض الخدمة في الجيش الامريكي ، رفض أن يحارب في فيتنام ، أنه صاحب مبدأ ، انه صاحب خلق .
(أصل الرياضة تمرينات عسكرية ، كان اليونان والرومان يشجعون شعوبهم عليها ، كانت الرياضات من ركض ورمي وقفز وسباحة ومهارات عسكرية قتالية ، يتوجب إجادتها ، وفي المهرجانات العامة ينتقي القادة العسكريون المتفوقين، يلحقونهم بالجيش ، ويظل الباقي احتياطا شعبيا ).
لعلها فرضيات لعلها معلومات تاريخية مؤكدة يوطئ بها الاستاذ رشيد الى افكاره ، انه استاذ مغرم بالفلسفة ، يريك الامور كأنها أمور أخرى ، يتابع الاستاذ رشيد .
_(الرياضة في هذه الايام ليست رياضة عسكرية ، لا تمت الى هذا المفهوم بصلة ، إنها رياضة تسلية وترفيه ، فبعض الجوانب العسكرية تعتمد أصلا على المهارات القتالية ، واستخدام السلاح ، تحتاج الى شجاعة عظيمة وذكاء خارق ، الى اخلاق ، الى عقيدة ، تنس الطاولة والسلة والشبكة تخلق الرشاقة لا تخلق القوة ولا تخلق الخلق ) .
هكذاانت يا استاذ رشيد ،اسكتَّ اعجاب محمد علي بالملاكم محمد علي ، قلت له انه بطل مبدا أو خلق او عقيدة ، قلت انه يلاكم ليقبض الفلوس ويحصد الاكراميات من الدول العربية والاسلامية ، يقبض الاموال ليشتري بها العقارات ، احتج على حرب فيتنام لكنه لم يحتج على العدوان الاسرائيلي و جرائمه،اشفق على الفيتناميين البوذيين ولم يشفق على العرب المسلمين ، كان يعارض علنا سياسة امريكا ،لكنه لم يستطع سرا ان يعارض او يحتج على سياسة اسرائيل والجرائم الصهيونية .
- (رياضة اليوم وليدة الحضارة الاوروبية الجمالية المادية فالجمال والقوة مطلب اساسي فيها،انهما مصدر السعادة للانسان كونك سعيدا ممتعا بحياتك ، الرياضة كالرقص والموسيقى والرسم والغناء ، تشعرك بالسعادة والسرور والارتياح ،انه هدف الحضارة الاوروبية ،ولو كانت سعادة آنية موهومة ).
- اذا لم تكن الرياضة تطمح الى هذا ، فلأي شيء تهدف هل هناك رياضة عسكرية ، اظنه لا يوجد ، ولكن لماذا يمنعون علينا التدرب على الكراتي والجودو ، لعلها رياضة عسكرية ربما تكون صادقا يا استاذ رشيد ، فانهم يشجعوننا على كرة القدم والسلة والطاولة ، اخترع الصينيون الكراتي لمقاومة الغزو الياباني ، ولكن كيف نقاوم الغزو الاسرائيلي ،الشباب العربي خلف الحدود يمارس الجندية وفنون الحرب ، ينتظم في جيوش مدربة ،ونحن لا نملك الا الحجارة نصوبها الى صفيح السيارات ومتاريس الجنود ، هل هناك رياضةالتصويب بالحجارة .
يشتد النقاش وتطول المجادلة هناك استهجان وشجب ،وهناك تاييد ورضا ، هناك نظريات اخرى وآراء مغايرة ،لكن المدير ينهي المناقشة ، يخرج بها الناس الى الساحة يختصمون بين مؤيد ومعارض .
- يستدير المساء ، ويتمخض عن رياضة جديدة ، يصنع محمد قنطرة من الحجارة ،يقذفها بالحجارة ، يباعد من مسافاته ومن احجام حجارته ، تؤلمه ذراعه وينام على ظمأ ، وينبلج الصبح عن عصبة أولاد يرجمون هيكل سيارة على جانب الطريق ، ويصنع آخرون دمية عسكرية ،عليها طاسة وفي يدها بندقية .
16/8/ 1983
