قراءة لكتاب زرقاء بلا ذنوب
زرقاء بلا ذنوب
رواية من عشرين فصلا
بقلم الداعي بالخير صالح صلاح شبانة
عن الزرقاء مدينة الثقافة أصدرت وزارة الثقافة مجموعة قصصية للقاص سعادة أبو عراق بعنوان زرقاء بلا ذنوب ، لم تتخذ شكل الرواية المعروف ، بل جاءت في عشرين قصة قصيرة جرت أحداثها في عشرين حيا من أحياء الزرقاء القديمة منها والحديثة ،وبذلك يكون قد غطى معظم أحياء الزرقاء المعروفة ، جناعة والسيل والغويرية والحسين والسعادة ومعصوم والنزهة والمخيم ، كما تناول مؤسسات معروفة كنادي الضباط وسكة الحديد ومستشفى الحاووز وسينما النصر التي هدمت ، كما أتى على بعض الضواحي كالسخنة وعوجان وياجوز .
هذه التقنية التي اتبعها الكاتب ليست شائعة في المجموعات القصصية التي غالبا لا بوجد بينها رابط ما ، أما هذه المجموعة فهي بانوراما تريك الزرقاء من خلال القصص التي اختلقها المؤلف في كل حي ، لتعبر عن دخيلة المجتمع ، وما في الأزقة والحارات والبيوت من حركة تعبر عن تاريخ الزرقاء و روحها وحيويتها وسخطها وأحلامها ولعلها أقرب إلى مجموعة نجيب محفوظ أولاد حارتنا ، الذي تتناول القاهرة القديمة من خلال شخصيات القاع وحركة البسطاء العفوية وبدت الأحداث كحقبة أسطورية .
إن تسجيل الأمكنة الحقيقية من خلال القص الواقعي سيجعل لها قيمة تاريخية وتسجيلية وخصوصا في الأزمنة القادمة ، سيما وأنها لم تكتب بأسلوب التقرير أو بعين العابر المتفرج أو الدعاية السياحية ، إنما بقصص أدبية أعطت للمكان صورته الحية النابضة بالناس والأحداث والانفعالات . بل جعل من المكان أحد شخصيات القصة
ربما تكون هذه المجموعة خروجا على نظام القص لدينا ، حيث أعتدنا أن تكون القصص في أمكنة افتراضية وأزمنة مفتوحة ، تجعل من القصة لا هوية لها، وبالتالي هي دعوة إلى تسجيل المكان تسجيلا جماليا ، تسجيلا يدل على قرب روحي وتواصل عاطفي ، فالأدب الخالد هو الأدب الصادق .الذي يسمي الأمكنة بأسمائها ،والناس بأسمائهم ، حتى لتظن أنك تعرفهم .
نغبط القاص سعادة أبو عراق على حبه الحقيقي للزرقاء ، وعشقه المعلن لها ، وصرخته المدوية الزرقاء بلا ذنوب
من المذنب إن كانت الـ (زرقاء بلا ذنوب )...؟
زرقاء بلا ذنوب ، اسم المجموعة القصصية التي أصدرتها (الزرقاء مدينة الثقافة ) للقاص سعادة أبو عراق لهذا العام ، والاسم بحد ذاته يفوح بمعناه المضمر ، فالزرقاء التي أنشئت على عجل بعد الحرب العالمية الأولى هبطها أناس من مختلف الأصول والقوميات ، وهم ينوون العودة بعد أن يحصلون على الثروة منها ، لذلك كان عدم الانتماء للزرقاء صفة ملفتة ومعيبة لكثير ممن هبطها، ويستحقون كشف الغطاء عنهم .
الكاتب سعادة أبو عراق يخصص كثيرا من قصص هذه المجموعة لانتقاد هذه الظاهرة المعيبة ،ففي قصة حي الحسين نجد محمود العلي يعيش أربعين سنة في الزرقاء حتى يحال إلى التقاعد وما زال بعيش في حي الحسبن بغرفة واحد مستأجرة، رفض بيع قطعة أرضه في بلدته رسنا رغم إلحاح زوجته، لكي يحسنا وضعهما في الزرقاء ، فيقول لزوجته الأرض مثل العرض لا تباع ، ويفرح حينما تأتي حافلة تجمع أهل رسنا ونيفة ويأخذونه معهم كي ينتخب هناك نائبا لا يعرفه ، يقترع لكنه يعود من هناك على حسابه الخاص .
ويتساءل سعادة أبو عراق في قصة ( سكة الحديد ) لماذا لا يوجد في الزرقاء حي أسمه حي المحطة ، كما في عمان ، وكما في كل المدن التي يمر بها القطار ، ولماذا لم يضع القطار بصمته على حياة الناس ، وعلى الحركة الاقتصادية والاجتماعية لأهل الزرقاء ، يقول ذلك من خلال استعراضه لحياة عائلة التريناتي الذين عملوا أبا عن جد في خدمة سكة الحديد ، ليصرخ حفيد من الجيل الخامس ، حتى المؤسسات تفتقر إلى الانتماء.
أما فاروق بازرجي بطل قصة (نادي الضباط ) فهو معجب بالأبهة الإنجلبزية ، منذ عرف الإنجليز في الأربعينات فدخل الجيش لعله يتشبه بهم إن لم يكن منهم ،وصف لولده فؤاد الزرقاء بأنها بلد البدو والعمال واللاجئين ،فأضمر الابن للزرقاء احتقارا وتعاليا، وحينما أرسله إلى بريطانيا ليتعلم هناك ، تعلم وتزوج ولم بعد إطلاقا حتى حينما طلب منه أن يحضر لتشييع جنازة أمه .
أما عدنان الخطيب المولود في الغويرية ، من عائلة السليبات الزرقاوبة ، يسكن في الزرقاء الجديد ،ويعمل موظفا في وزارة الداخلية في عمان ، يحلم أن يكون من النخبة الحاكمة ، فيخفي كل تاريخه ليبدوا من برجوازي عمان ، لعلهم يعتبرونه منهم ، وحينما تقرر وزارة الداخلية أن تعين رئيسا لمجلس بلدية الزرقاء من احد مواليد الزرقاء وسكانها ، لم يعتبروه زرقاويا ، فيسقط في يده ، فيعترض على هذا الإجراء غير المتوقع ، فيصرخ بفجيعة أنا والله من الزرقاء ، ويكررها بندم .
وهناك قصص أخرى تسخر من الذين (يكاكون) قي الزرقاء وبيضون في مكان آخر كقصة المسلخ ، فيتهكم عليهم ويعريهم ، في نفس الوقت الذي يشيد بأولئك الطيبين المنتمين كما في قصة الغويرية وحي معصوم وسينما النصر وشارع السعادة .
الزرقاء ليس لها ذنب كي تُعاب ، بل الذنب كل الذنب على الذين لا يشعرون بالانتماء إليها.
