(زرقاء بلا ذنوب)
كتاب منشور بقلم : سعاده عوده ابو عراق
12 حي جناعة
منذ شهر أو يزيد ، وأهل الزرقاء يتحدثون عمّا يجري في عائلة الشامي ، بل يذهب الفضوليون مستطلعين إلى بيت غسان الشامي في حي جناعة ، ليتأكدوا مما يسمعون . ذلك أنهم مثل كل البشر الذين تسحرهم حكايات الذهب المدفون واللقايا .
غسان الشامي غير معروف لغير العائلة والجيران القديمين ، ومن يعرفه يجده مسكينا ، لا يعترض على أمر ، لذلك فإن أخوته الذين تقاسموا تركة أبيهم أعطوه هذا البيت القديم المتداعي مع قطعة الأرض المحيطة به، بينما استأثر الإخوة بالمزارع والبيوت والدكاكين .
ولأنه مسكين على هذا النحو ، فإنه لم يستطع أن يتصرف بدهاء حينما عثر على الكنز في فناء البيت ، لذلك تكالب عليه أخوته تكالبا شرسا ، فالذهب هو ذهب أبيهم الذي لم يتقاسموه ،وعليهم أن يتقاسموه الآن ، إن لم يكن بالتراضي ، فبالقانون ، القانون الذي يعطي الحكومة حقا مطلقا في الكنز ، كما قال موظف كبير أراد أن يدس أنفه في القضية ، لعله يبتزهم بأي مبلغ ، إنها قضية تستحق أن يتسابق المحامون إليها ، الذين وجدوها فرصة للانتصار لغسان ، ضد أولئك المحامين الذين يترافعون في دعوى إخوته ، والآخرين الذين يدّعون توكيل الحكومة لهم .
ولأن عائلة الشامي هي أسرة غير معروفة ولا مميزة بين الأسر الدمشقية التي حطت رحالها في الزرقاء ، فإن استرجاع تاريخها صار مطلبا عند كبار السن وبعض المهتمين بالأنساب ، فأجمعوا أن سليمان الشامي من ريف دمشق ، استوطن الزرقاء في الأربعينات ، واشتغل بالتجارة كما كل الشاميين في الزرقاء ، وسكن ببيت اشتراه في حي جناعة ، وفي الستينات عمل في تجارة الذهب والحلي ،وإنه فوق ذلك اشترى مزرعتين على السيل وعددا من القطع السكنية والبيوت ، وأنجب بنينا وبنات ، وأنه مات مقتولا أثناء حوادث أيلول .
أما ابنه الأكبر غسان ،فيقول عن مقتله :
_ كنت في الجيش ، وكنت أعلم أن أبي يريد أن يرسل أمي وأخوتي إلى الشام عند أهلنا هناك ، اتقاء لأحداث قد تقع ، وعلمت أنه قد أرسلهم قبل الأحداث بأيام ثلاثة ، ولكن بعد أسبوع أعلموني بأن أبي قد قُتِل ، وأن جثته موجودة في المستشفى الوطني قرب المدرسة الثانوية ، جئت حينما أعطيت إجازة ، مررت على محل الذهب ، وجدته مخلوع الباب وفارغا ، كان أمرا متوقعا، ولكن وقعه كان قاسيا ، ذهبت إلى المستشفى ، واحترت على من أبكي ، وعلمت أن جثته أحضرت من على السكة ، ورصاصة قد اخترقت صدره ، استلمت الجثة وهويته وعشرة دنانير كانت في جيبه ، وذهبت أدفنه في مقبرة المخيم .
لم يصدق أخوته الأصغر سنا روايته هذه ، فقالوا بإنكار ؛ أين الذهب ؟ ما دام زجاج المحل سالما والخزنة والفترينات لم تكسر ...! فأين الذهب ؟
ورغم علمهم فيما بعد أن جميع الصاغة قد حملوا ذهبهم إلى بيوتهم ، قبل الأحداث، حيطة وحرصا ، ظلوا يشكّون بأخيهم الأكبر، الذي لا يجيد الدفاع عن نفسه ، اقتسموا بعد حين تركة أبيهم ، وما ظفر غسان إلا بالبيت القديم في جناعة ، قََبِلَ هذا الغبن عن طيب خاطر ، لعله يكفر عن ذنب لم يقترفه ، وبعد عشرين عاما بالتمام ، يعثر غسان على ثروة أبيه مدفونة في التراب .
هاهو غسان كما هو مفطور على الوداعة ، لا يملك منطقا ولا حجاجا ، يقتنع بأي فكرة تعرض عليه ،أصبح بذلك كرة قدم، تتقاذفه الأفكار ، لذلك قرر محاميه أن يبتدر عنه القول لإخوته ومحاميهم:
_ لقد كان أخوكم في وسط الأحداث رغما عنه، بينما انتم مطمئنون في الشام، فهل هذا جزاؤه ؟ لقد قبل بالقسمة المجحفة التي ارتضيتموها أنتم، لعلكم تبقون على الود، فهل كان يعلم بأن الكنز مدفون قرب الجدار ؟ لقد أراد الله أن يعدل الحيف الذي ألحقتموه به .
أما محامي الأخوة فقال :
_ ما دام غسان معترف بأن هذا الذهب هو ذهب أبيه ، فالذهب من حق الأخوة كلهم ، ويجب أن لا يستأثر به وحده .
_ ولكن البيت هو ملكه، وما هو داخل البيت فهو ملكه أيضا.
_ لم يخبئ والدهم الذهب ذخرا لغسان وحده ، أنما لهم جميعا .
_ ولماذا لم يجروا قسمة عادلة ؟
_ نعيد إجراءها الآن .
تنطع أحد الأخوة قائلا :
_ هذا لا يجوز، لقد سجلنا حصصنا بأسمائنا .
قال المحامي :
_ والبيت مسجل باسمه أيضا ، وما هو موجود به فهو له .
قال المحامي الذي يدعي تمثيل الحكومة :
_لا... ما هو موجود في باطن الأرض فهو للحكومة .
رد المحامي وهو يعلم أنه غير موكل من قبل الحكومة.
_ إذن مبروك عليكم الأموات
ضحك الحضور، فغضب وقالوا له :
نعلم أنك غير موكّل، فلا تحرجنا كي لا نحرجك .
ويعاد هذا النقاش مرة بعد مرة ، اسطوانة مشروخة تعيد ما تقوله الببغاء ، والناس تستمتع بهذا المسلسل الذي يذاع على الهواء ، حلقات يثرونها كما يشاءون ,أو تشاء أحلامهم. ويتساءلون عن الذي يثيرهم في هذه القصة ، إلى أن اقترح أحد الظرفاء جائزة لمن يقوى على حلها .
لم يقلع الزرقاويون عن هذا الحديث إلا بعد أن سمعوا أن العراق يطالب ببترول الكويت ، ورأوا جحافل العائدين من بلاد النفط العربية . الزرقاء 14/4/2007