(زرقاء بلا ذنوب)
كتاب منشور بقلم : سعاده عوده ابو عراق
16 الحاووز
كل الذين يركبون الحافلات إلى بيوتهم في حي رمزي والأمير محمد والزرقاء الجديدة ، يمرون بالحاووز ويقرؤون لافتة معلقةً على حائطٍ ،مكتوبا عليها ( جمعية العوانس )، ،فيأخذهم العجب والدهشة من هكذا جمعية ،وربما يتمهل أيضا أصحاب السيارات الخصوصية ،لعلهم يقرؤونها جيدا ، ويقرؤون اللافتة الأخرى المجاورة عن شقة مفروشة ،لعلهم يخبرون عنها الخبر اليقين .
والذين تأكدوا من الخبر ، يسخرون من هذا الاسم الصادم ، القبيح على الأسماع ، فلا يحسن أن توضع كلمة عانس اسما لمؤسسة ، وخاصة إذا كانت بجانب مدرسة أجنادين الثانوية للبنات ، وفي طريق مديرية التربية والتعليم ، التي تجتازها المعلمات والمديرات ، فهي جارحة لمشاعر العوانس ، وفألا سيئا لليافعات , يقتضي الإعراض عنه .
لا أحد ينكر على أصحاب المشاعر الحساسة رقتهم ، ولكنهم مع الآخرين من العقلانيين يتساءلون بكثير من الجدية عن أهداف هذه الجمعية ، وما يمكن أن تقدمه للعوانس ، مادامت العوانس لم تطلب شيئا إطلاقا ، فكيف تُعطى شيئا لم تطلبه ؟ فالعانس ليست مواطنة معاقة ، ولا فقيرة محتاجة ، ولا هن طبقة اجتماعية تحتاج إلى إطار يجمعها ، ومن الذي أسس الجمعية ؟ هل هن العوانس أم المتعاطفون معهن ؟ وهل هناك عوانس تأتي للانتساب وتدفع الاشتراك؟
على خلاف هؤلاء المتسائلين بإنكار، فهناك من وجد الفكرة صائبة بداهةً، وشعر كأنما عثر عليها ، إذ لم يجد في العضوية معضلة ، فسهل جدا أن تُحضر الأسماء من دائرة الأحوال المدنية، بعد الاتفاق على تعريف للعانس ، مثلا من تجاوزت الثلاثين ؟ وبعدها لن يكون الاتصال بهن صعبا ، ولتأت بعدها من تأتي ، ولتعتذر من تعتذر ، ثم تُبحث المشكلات التي يعانين منها في منازل آبائهن وإخوتهن ، ثم تأتي الحلول النفسية والاجتماعية والمهنية .
غريب هذا الأمر الذي شغل أهل الزرقاء ، كأنهم كانوا وإياه على موعد ,اشتغلت أدمغتهم وكان الظن أنها لا تشتغل ، وتوسعوا في الأمر وتساءلوا إن كانت المهجورة والمطلقة والأرملة من هذه الزمرة ، وهل قضاياهن الحياتية واحدة ؟ وما هو العدد الذي يتحدثون عنه ؟ إذ لا بد من إحصاءات رسمية ، كي يكون الحديث علميا ، ولا بد أن يتحدث به العلماء .
وبما أن الفقهاء أو علماء الدين أولى من غيرهم في هذا المجال ، ولأن فقه النساء باب كبير من أبواب الفقه الإسلامي ، ولأن كثيرا من الناس راحوا يستفتونهم في الأمر ، إلا أنهم لم يجدوا عند الأقدمين ولا عند المحدثين فتاوى تعالج مشكلات العوانس ، ولم يجدوا في أنفسهم الجرأة الكافية للإفتاء ، لأنها مشكلة ظهرت من خمسين سنة فقط ، فقد ذهب بعض الذين تأثروا بالمنهج التحليلي إلى القول بإن مشكلتهن تنحصر في الزواج والإشباع الجنسي ، وهنا عليها أن تصبر على قدرها , وتتقي الله، وتحدثوا عن العفاف والجمعيات التي تقيم الزواج الجماعي .
أما الذين شاهدوا المناظرات على الفضائيات فقد تكلموا عن زواج المسيار وزواج المتعة والزواج العرفي ، تلك الحلول المطروحة للخروج من مأزق وجدت فيه بعض النساء أنفسهن بها ، وكلها أمور يرفضها الناس ورجال الدين ، فراحوا يتحدثون عن أسباب هذه الظاهرة ونشوئها ، وعن تكاليف الزواج المعيقة ، وعن تعدد الزوجات ،وعن عمل المرأة .
والصحفيون الذين يبحثون عن موضوعات اجتماعية يدسون بها أنوفهم ، ويعرفون أصول التحقيق الصحفي الناجح ، ذهبوا يستقصونها أولا عند مديرية التنمية الاجتماعية ، يسألون عن أسس ترخيص الجمعية ، والأهداف التي أسست بموجبها ، فاكتشفوا أنه لا يوجد جمعية مسجلة باسم جمعية العوانس ، أو جمعية لهذا الغرض ،عندها ذهبوا إلى الحاووز، تفقدوا اللافتة فلم يجدوها، ولم يجدوا مكانا مستأجرا للجمعية ، بل شقة مفروشة للإيجار، مازال إعلانها موجودا على الجدار ، فكأنما هي كذبة نيسان ، أو حلم رأته الزرقاء ذات غفوة ليلية .
إذن من قام بهذه الدعابة الطريفة السخيفة ، حتى تثار كل هذه الضجة من الأفكار ، وهذا الاهتمام المفرط بالموضوع ، وكيف أزيلت هذه اللوحة دونما اعتراض من أحد ، ودونما شعور أنها كانت ذات فائدة لصاحب الشقة المفروشة، الذي اغتبط لازدياد الطالبين استئجارها .
بعد أيام معدودة، كان أمام مدير التنمية الاجتماعية طلبا مقدما من رجال ونساء لتأسيس جمعية باسم جمعية عوانس الزرقاء.
أما الصحفيون , فقد وجدوا في الزرقاء حالات غريبة، تستدعي التأمل والبحث العميق .
الزرقاء 24/4/2007