(زرقاء بلا ذنوب)
كتاب منشور بقلم : سعاده عوده ابو عراق
20
شارع الإسلام
في أول الشارع المتفرع غربا من شارع باب الواد الواصل بين جامع الشيشان وجامع العرب ، هناك لافتة ممتدة بين جانبيه ،كما هي اللافتات الدعائية مكتوب عليها" شارع الإسلام" ،لم ينتبه لها كثير من الناس ، أما الذين انتبهوا لها هذا الصباح تعجبوا ، وأيقنوا أن البلدية لن تضع أسماءّ للشوارع بهذا الشكل، وأن في الأمر شيئا مستحدثا .
هذه اليافطة القماشية هي آخر ما توصل إليه عقل سليمان شحادة الإبداعي ، الذي يخطط لبناء دولة الإسلام ، فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، ابتدأ رسالته بالمقربين نسبا والمقربين جيرة ، ثم توسع الإسلام توسع الموجات في البركة الساكنة ، فكيف لا نهتدي بما فعله الرسول ؟ فلماذا لا نؤسس نقطة البداية لكي ينتشر الإسلام منها كأمواج البحر؟ ويعم العالم كله.
سليمان شحادة ، رجل قارب الخمسين ، تقاعد من الجيش قبل أربع سنين ، وسكن هذا الشارع الذي لا يُعرَفُ له اسم ، وافتقر فيه إلى ما يملأ به فراغ وقته ، أو عمل يزيد فيه دخله ، فلم يجد سوى أن يذهب عصرا إلى جامع عمر بن الخطاب ، يصلي ويستمع إلى الدرس الذي يلقى كل يوم _ وما كان قبل يصلي _ وما كان مهتما بأي علم من العلوم الإسلامية .
أكبر الظن أن سليمان هو الذي كتب هذه اللوحة بنفسه ، وبما استطاع من قدرة على الخط ، فهو ليس دارسا لمبادئ الخط فقط ، بل لم يكمل الخامس الابتدائي، إنه شبه أمي ، فكل ما يسمعه جديد عليه، وجدير بالإنصات إليه ، يستمع إلى الوعظ المؤثر ، والترغيب الذي يغري بالثواب ، والنعيم الذي في الجنة ، ولأول مرة يرى صورة مشرقة لدولة الإسلام ، والخلافة التي زالت وزال معها العدل والرفاهة والنعيم . لأول مرة يرى الإسلام مبهرا ، ويعجب من الناس الذين لا يعتنقون هذه العقيدة الشاملة ، والمسلمين الذين لا يتخذونها منهجا للحياة .
أبو شحادة كما يكنيه الجيران والمعارف ،لم يضع هذه اللافتة إلا بعدما تيقن أن الزمن الذي سيعم فيه الإسلام العالم قد دنا، وهذا الحدث الهائل لا بد له من نقطة بداية ، ولا بد له من قادة ، وأن الله سينصر الذين سينصرونه ، ويجب أن يكون هذا الشارع إسلاميا تماما ، فحينما أنشأ مصبغته لكي الثياب _ وهي المهنة التي مارسها في الجيش _ أسماها المصبغة الإسلامية ، سأ له أحد الخبثاء :
_وهل هناك كيُّ ملابس مسيحي ويهودي ؟
لم يجبه ، لكنه تمتم مترفعا :
_ ربنا يهديك .
لقد رأى في هذا الاسم فيضا من الله وإلهاما ودعما لمخططه ، وهاهو أيضا يذهب إلى دكان لتنقية مياه الشرب وفلترتها ، ما زالت تحت الإنشاء ،ويقول لصاحبها:
_ اسمع مني... وسوف يجزيك الله خيرا ، سمّ محلك هذا (المياه الإسلامية.)
استقبل صاحب المشروع_ كعادته_ الفكرة بأريحية ، ورأى أبا شحادة رجلا بسيطا وعلى نياته ، وقال له وقد برقت في ذهنه فكرة :
_تكرم يا حاج ، سأسميه (المياه الإسلامية )
وفي اليوم التالي تبدلت اللافتة الأولى المكتوب عليها مياه السلامة وصارت "المياه الإسلامية "، فمر عليه الرجل ذاته ليسأله :
_ وهل هناك مياه إسلامية ومياه غير إسلامية؟
فرد عليه وهو يبتسم:
_ الناس ميالون إلى هذه الأسماء ، كأنها تصدق أن المدرسة التي توصف بالإسلامية هي إسلامية التعليم ، وعداها غير إسلامي، وكذلك الروضة ، والحضانة ومثلها البنك الإسلامي ، والمستشفى الإسلامي ، و التأمين الإسلامي ، والجامعة الإسلامية ، والأدب الإسلامي، والقنبلة النووية الإسلامية ، وها أنا أبيع الماء الإسلامي .
ضحك الاثنان من هذا الخبث التجاري ، وتابعا حديثا يتناول هوس أبي شحادة في تنفيذ مشروعه ، وكأنه مبعوث العناية الإلهية ، إنهم يرونه ماضيا في إرشاد الناس لإعادة مجد الإسلام، وكأن الناس كفار أو لم يسمعوا بالإسلام قط ، مستعينا بأشرطة الدعاة الهواة ، التي تأتي تبرعا ويباع الشريط منها بنصف دينار ، إنها مواعظ بسيطة مصممة للمستمعين الأميين ، فيسهل فهمها عليه ، واستيعابها بيسر، ويُرْجِعُ ذلك إلى أن الله قد أوسع له في عقله، كيما يعده للمهمة الكبرى، فما حصل عليه من ثروة معرفية يجب أن لا تُهْدر سدى ،.وعليه أن يشمر الساعد كي يدعو الغافلين عن نور التوحيد ،والذين أغرتهم الحياة الدنيا ، ويذيق المحرومين من متعة الإيمان شيئا يغريهم نحو المزيد .
حينما وضع الشيخ سليمان شحادة اليافطة على مدخل الشارع ، كان موقنا أن مشروعه قد بدأ ، فها قد صار حوله مؤيدون ، يرتدون ملابس يتميزون بها، يطرقون البيوت ، يتقمصون شخصيات الدعاة الصالحين ، يعظون الناس ، بلغة استعاروها من السلف الصالح ، يبدون لأنفسهم أنهم أكثر وعيا وأيمانا من الآخرين ، وأنهم استطاعوا التأثير في هذا المجتمع ، فارتدت عشر نساء الخمار، والفتيات الصغيرات في مدرسة الرملة لبسن الحجاب ، ومدرسة الربوة أصبحت مدرسة الربوة الإسلامية ، والعيادة ، أصبحت العيادة الإسلامية ، وكذلك فرن الأمراء الإسلامي .
إذن ...هل ابتدأت المسيرة نحو الإسلام ؟ هل حان الوقت لرفع اللافتة ؟ فالبلدية لن تجرؤ على إنزالها ، وستغار الشوارع الأخرى ،وتصير إسلامية ،ويمتد الإسلام ، ويفيض على المدن والبلاد ، إنه الضياء الذي لا يثنيه شيء ، لكن عمال البلدية جاءوا مزودين برافعة ، اعتلاها أحدهم ، وأنزل اليافطة ، وحينما علم الشيخ سليمان شحادة ، ثارت ثورته ، وخرج صائحا :
_ أنصروا الإسلام ، الإسلام في خطر.
لم يستجب لندائه أحد ، لكن مع صلاة الظهر ، كان سليمان شحادة متعجبا من هذا الجمع المحتشد من شباب ملتح لا يعرفهم ، يلبسون عمامات سوداء، رمز الحرب عند السلف ، كأنهم نزلوا من السماء ، أو خرجوا من باطن الأرض، يحملون لافتات مكتوب عليها صرخته( الاسلام في خطر) ، ويحملون عصيا وحجارة وكرابيج ، يتوجهون صوب بلدية الزرقاء ، ليلتقوا في توقيت محسوب مع المصلين الخارجين ظهرا من جامع الشيشان .
الزرقاء 26/5/2007
