الكنز
بقلم : سعاده عوده عراق
يحكي الأجداد لنا- دون ملل- قصة مرزوق ، حتى حفظتها كل الأجيال ،حتى صار مرزوق حيا في الأذهان ، نشعر به ، يلعب معنا ، فنمازحه أو نسخر منه ، ونغار أو نُعجب به ،بل نَعجب من حكمة جده ، إذ أصلح أمره بعد فساد ، حين علمه سبل العيش .
يخبرنا الأجداد عن نشأة مرزوق في اليتم ، إذ مات أبوه وماتت أمه ،حين اجتاز العام السادس ، فرعاه الجد الحاني ، بالحب وبالعطف الدافق ، يتعهد نشأته ، لا يسأل عمّا ينفقه كي يجعله سعيدا ، فما أن يطلب شيئا حتى يحضره له ؛ الأكل الطيب والحلوى ، والأثواب الفخمة ةالألعاب ، وينام على مهد مفروش بالصوف الناعم ، كي ينعم بالأحلام كما يهوى ، بل زاد حين ابتاع له فرسا مهرة ، يركبها حين يشاء ، يختال عليها بين الناس ، يشعر بالعظمة ، يشعر بالقدرة ، بل يوقن أن الله ميزه عن غيره ، كي يصبح أقضل من في الكون .
أصبح مرزوق يبدي عجرفة لا يتقبلها منه أحد ، فتجافى عنه الأصحاب ولم بحببه أحد، عاداه الأقران من الفتيان ، سخروا منه كثيرا بالقول ، وتحرش بعض الأشرار به عمدا ، لم يسعفه صديق بالنصره أوخف ليحميه ، صار وحيدا ، إلا من جد أضعف من أن يتبعه قي الحارات ، أو أن بأمره أو يهديه أو يمنعه عن شيء يطلبه ، أو يغضبه في قول أو ينهاه عن خطأ ، حتى لم يقوَ على أن يأخذه للكتّاب ، يتعلم عند الشيخ فك الحرف ، كي يقرأ يوما أو يكتب ، كي يحفظ أيات القرأن ، كي يكسب رزقه . لكن مرزوق أبى ، فالتعليم لمن هو أدنى منه ، يكفيه كنز الجد ، بأخذ منه مدى عمره ولا ينضب .
مرض الجد وأقعده الإعياء ، ولم يبق في العمر متسع كي يصلح ما أنشأ مرزوق عليه ،إذ اعتاد بأن يأخذ لا أن يعطي ، أن لا يتعب ذهنه ، أو يجهد نفسه ، أن لا يهتم بأمر الناس ، كيف تراه بعيل نفسه ؟ فالكنز ليس سوى وهم اقنعه به ، حين أراد أن يشعره بالأمن ويعوضه عن فقد أبيه ، لكن مزوق صدقه وأيقن أن ميراث الحد سوف يؤول إليه.
حين أيقن الجد بالموت ،دعا مرزوق ، كي يخبره أن الكنز مخبوء في موقع ، لا يرغب أن يكشف عنه الآن
ناوله من صندوق كتابا وهو يقول:
الموقع مذكور في صفحة ،لا أذكرها ، فتش عنها واقرأها ، إياك وأن يقرأها أحد لك ، إن قرأها سيفوز بالكنزدونك.
- لكني يا جدي لا أقرأ
- تعلم .....
لم يكمل الجد ، بل أغمض عينيه ومات.
مات الجد ، وأبقى مرزوق وحيدا ، وعلى كره منه مضى للكتّاب ، يرجو الشيخ ، لكي يقبله تلميذا ، رفض الشيخ لما يعلم عنه من كسل وسوء خلق ،أصر واستجدى الشيخ كثيرا ، حتى رق الشيخ ولان ، أجلسه مع من هم أصغر منه ، يتهجى الكلمات ، لكن دهش الشيخ حين رأى حسن تقبله، وسرعة فهمه ، وتفوقه بالحفظ وبالخط وباإملاء وبالترتيل ، وغير مسلكه المتعالي ،وصار إنسانا سويا ، بز الطلاب ونال الختمة في وقت أقصر ، حتى عينه الشيخ عريفا .
هاهو يعمد للصندوق ، لايدري أي كتاما يبحثب الجد ، قرأ الأول والثاني والثالث زالرابع ، أدهشه ما قيها من قصص ، من أخبار وعلوم ،من حكم وفنون ، حتى كادت أتنسيه المتعة ما يبحث عنه ، لولا أن عثر في إحداها على نص فبه : ابحث عن كنزك في الحوش ، تحت التوتة
خفَّ سريعا يحضر فأسا ، يحفر فرحا دون تعب ، حتى اكتشف على عمق صندوقا ، راح يعالج قفله ، حتى قتخه ، ذهل .... حين رأى فيه طرسا ، مكتوب فيها :
( مبروك كنزك ....!! ها أنت تعلمت أخيرا )
أطرق من هول الفكرة ، وتذكر قولا أو حكمة ( لبس الكنز دوما من ذهب) ..!!!!