طريد الظل
مجموعة قصصية
طريد الظل
مجموعة قصصية منشورة
للقاص والروائي
سعادة عوده ابو عراق
القصة الأولى :
وقفـــة
أتفاجأ بالضوء الأحمر ، وأتوقف ، تستجيب الكوابح ، واهيّء نفسي لزمن ممل ينضح ضجرا ، استمطر فرجا سريعا من ضوء اخضر ، مؤمل بعد دقيقتين ، اشعر بالحصار بين إشارة مرور أحدق بها ، وسيارة تلتصق بمؤخرة سيارتي ، وتأدب يحظر علي استطلاع حيز الآخرين في الجوار .
أرخى ساعدي على حافة النافذة وانتظر ، يلسعني حديدها الحامي ، واكتم ألمي الخفيف ، وانظر يمينا بضجر ، سيارة أنيقة جميلة تجاورني ، وفيها تنتصب بأناقة مدهشة - نفرتيتي ...!!! لا ادري كيف اندفعت لكي اهتف هكذا ؟ أعجبني هذا الإقتحام المفاجئ على خلوتي ، لا ادري إن كانت قد سمعت صرختي المكتومة ، حينما نظرت إليّ ، حينما أسبلت رمشا كثيفا ، وصوبته نحوي ، فأي دفق من الرضا قد غمرني ؟ وأي ندى قد بلل قلبي ؟ لا ادري بأي لغة قد تهاتفنا ؟ وأي مبادرة يتوجب علي فعلها ؟
اشعر بالتهيب ومناكفة الأفكار
تغمرني الدهشة ، ويتعثر الفكر بغلالاته الحريرية ، يسلمه الانبهار إلي الكسل ، فتستريح العين على هذا الشعر المرفوع عاليا، وهذا القرط الذي يهتز بجرأة ، لعله يحفزني ، يستفزني للكلام والمبادرة ، بماذا أجيبك أيها القرط ، أنا أفهمك ، ولكن بأية لغة ستفهمني ؟
حينما ينحني الجذع نحو اليمين ، يصبح القرط اكثر جرأة، وموسيقى ما تنبعث من المسجل ، رسالة أخرى تأتيني عبر النافذة ، وأنا أفتش عن مبادرة لائقة ، لست خبيرا بالإيحاءات الموسيقية ، فمن الحماقة أن أزجَّ بشريط طالما نبذته ازدراءً .
هـا أنا انظر إلى الضوء الأحمر ، استرحمه التمهل ، فكم كنت غبيا وأنا اسقط هذه الدقائق من قائمة أوقاتي الثمينة ، وكم كان عليّ التدرب على استغلالها .
لا يجدر بي أن أكون سوقيا ، بل بما يليق بهذه الفخامة الماثلة من تعبير ، أهذا عذر لي كيّ أتوقف عن جلد ذاتي ، وبلادة ذهني وكسل إرادتي ؟
فليكن ، سأدير وجهي إدارة تامة غير عفوية ، لعلها تنظر نحوي ، نتذاكر لغة العيون ورموزها .
تلقي بكوعها خارج النافذة ، تتكئ على باطن رسغها ، أخشى عليها الحديد الساخن ، لكنها مثلي لا تبالي ، تضع اليمنى على عجلة القيادة ، ترسلها رخوة ، كأنها تدليها من ذروة المقود,
ربما شعرت أن رجلا يراقبها ، فراحت تستمتع بهذا الاهتمام ، أتراها تغفر لي ارتباكي ، كما تغفر كل النساء المثيرات للرجال ارتباكهم ، حينما يتفاجأون بجلالهن ؟
ازددت غبطة حينما تماوجت نفرتيتي ، لكنها انطلقت بعيدا ، فأسلمتني لزوامير تنهشني ، تفيض على حيرتي وذهولي ، كيف أسقطني الحلم هنا ؟ وكيف صرت أرسل وعيي حميما على الأشياء ؟ واحني رأسي ، لتعبرني الشتائم بهدوء .
وأتذكر كيف يكون تشغيل السيارة من جديد .