طريد الظل
مجموعة قصصية منشورة
للقاص والروائي
سعادة عوده ابو عراق
القصة الخامسة :
اقتنـــــــاع
أنا اكثر قناعة مما مضى بان المرأة تابع ليس إلا ، ومع الذين لا يأخذون برأيها ، ولا يستمزجون أفكارها ، فمنذ ساعة أو اكثر وهي تحاول انتزاع قرار مني ، لا أراه صائبا ، بل فاسدا ومضرا ، تستخدم كل وسائلها ، وتعرف أني امقت هاتين العينين الرخوتين ، ولا يغريني وضع رجل على أخرى ، ولا يثيرني تفتيشها عن ولاعة لسيجارتها الفاخرة ، وهي تنظر لي بتوسل مفعم .
اهرب من المواجهة باستدعاء سكرتيرتي التي تذكرني على مسمعها بالمواعيد المستعجلة ، والأعمال الملحة ، لكنها تصمد لهذا الطرد المهذب بمزيد من الأستغباء ، وازداد يقينا أنها تطلب أمرا مستحيلا .
تلاحقني إلى بيتي ، وتعرف أني مطلق ، واهرب من كل النساء ، ولكن ، كيف اغلق هذا الباب الذي فتحته لها ؟ دخلت وأوصدته من خلفها ، بدت اكثر جرأة وهي تسلم علي بحرارة ، استشعر حميمية تفيض عبر الكلام الهامس ، والعبارات الودود ، والانزلاق المقصود لقضيتها ، التي أدركت الآن أنها مفصلية في حياتها .
وبلا كلفة أو شعور بالمسافة ، ألقت بنفسها على الأريكة ، كأنها معتادة على هذا البيت ، خلعت صندلها الصغير ، ركلته بعيدا ، مؤكدة أنها ليست على شفا الخروج ، حركت أصابع قدميها ، وعبثت بها كأنها تدلكها ، وجدتني مضطرا لمواجهة هذا الاقتحام المفاجئ ، ولا سبيل إلا الإقرار به ومن ثم الالتفاف عليه .
بدت ضعيفة مغلوبة على أمرها ، فكثير هم الذين لا يحسنون عرض مطلبهم ، ولا التعبير عما يريدون .
ارتفعت درجة الحرارة على غير ما كنت أتوقع ، وأصبحت الملابس ثقيلة خانقة ، والتخفف منها لازما ، ومع ذلك اصبح الكلام فراتا سائغا ، يتسرب شفافا خفيّا ، يقودني إلى مداخل أخرى معقولة لقضيتها ، فلماذا حجب عني المكتب هذه الرؤية الصائبة ، والتقييم الصحيح ؟.
صار النقاش مطاردة ساخنة ، فلا يجدر بي أن أتراجع سريعا عن موقفي ، فالانهيار السهل ليس لائقا ، فها أنا أدافع متراجعا ضد وجهات نظرها المنطقية ، اذكر مطلقتي وأتشبث بالعقدة التي خلفتها في نفسي من النساء ، لكن الحبال التي أتشبث بها وهنت ، بل وهنت كفّاي .
أصبحت تشعر بانتصارها ، وأنا أُكابر بفذلكات كلامية ، أتراجع حقا وتمزقني زليخة ، أهرب من جحيمها إلى موعد الاجتماع الذي يمر بخاطري ، انظر إلى صندلها الضعيف الذي يضجع بجانب حذائي ، وذاك الشرك الذي انفلت من إبزيمه وطوق مقدمة الحذاء .
أصبحت محاصرا ، والبوصلة لا تستقر إبرتها نحو اتجاه
لكن اغلب الظن أني لم اكن حكيما حينما لم أُصغ أليها جيدا .