طريد الظل
مجموعة قصصية منشورة
للقاص والروائي
سعادة عوده ابو عراق
القصة السادسة :
لي أحلامي
تفتح أُمي الباب ، وتنظر مستطلعة إلى امرأة غريبة ، تراها متسولة ، ولا تنفر من مساعدتها .
-هل اضرب لك الودع ؟
دخلت ، وكأن صمت أمي إذن لها ، لعلها تبدد قلقا يساورها ، فمنذ شهر وأنا أحاول تبسيط مصطلح ( إنسان خارج حدوده ) ، اقنع والدي بهذه العولمة الجديدة ، وبأهمية ذهابي إلى مجاهل افريقيا ، أُرافق عصبة نذرت نفسها لغيرها ، عصبة من شتى الأجناس والأديان ، تتعاهد كي تذهب إلى تلك القبائل، علها تتجاوز بدائيتها وتعثرها .
دخلت هذه المرأة ، ترمق المكان ، تتفحص وجه أُمي، تفك رموز القلق التي تلتمع حيرة في عينيها ، تجول ببصرها ، وتجلس حيث لا تشاء أُمي ، وتنثر ودعاتها على الأرض .
- همك سوف يزول ، بإذن المولى وشفاعة الرسول !!!
إذن ، سوف تهدئ من قلقها ، ولن يضير هذا العبث شيئا، ولكن من يبدد قلق ابي ، الذي يرى في مشروعي انتحارا ، ويستخف بي قائلا لو جحا فلاح لفلح في أرضه ) وكأنه يشير إلى قفزي الهروبي نحو المثالية الثورية ، لكني لا ادري كيف أُقنعه بمقولة اخترعتها ( لن تحقق ذاتك إلا إذا تجاوزتها ).
تراني المرأة اغلق حقيبتي على بعض أشيائي الخاصة ، فتنثر ودعاتها ثانية ، وتقول لامي :
-ابنك قدامه طريق سفر ...
علقت أُمي عينيها على شفتي المرأة ، فالطريق مجهولة، تحاول رسمها على هدى من ذكريات عن عمها ، ذاك الذي سافر يوما ببابور البحر إلى مجاهل الامازون ، وعاد بعد عشر سنين ليتزوج ويبني بيتا ويفتح دكانا .
- والطريق أمامه خضراء بإذن الله ...
تتنفس أُمي بارتياح ، إذن سأعود وأتزوج وابني بيتا ، فهي لا تقوى على دفعي عمّا عزمت عليه ، توصيني كثيرا ، وتحشو حقيبتي بأشياء تراها لازمة ، وأنا أُحاول أن اذهب عاريا من شؤوني الحضارية، اخلع جلدي واذهب صفحة بيضاء ، وأُلوّن جسمي بلونهم ، وابتدئ معهم من حيث هم واقفون، أُزحزحهم خطوة إلى الأمام لا أفهمهم بمفاهيمي ، بل بمفاهيمهم ، ولا أعود إلا بملاحظات أُدوّنها وأبـحاث أُقدّمها وآراء أوصي بها .
- وسيتزوج من أجمل صبية ...
لعلها تقتنع الآن أني سأعود - كما أوهمتها - بثروة وأتزوج، لكن أبي يثنيني بعقلانيته المعهودة ( تفيد نفسك بقدر ما تفيد غيرك ) ولكي لا افهم أن الأمر موزون كمقايضة ، فانه أردف ( حينما تخلص لوطنك فانه لن يبخسك حقك ) ، ربما يوجهني وقد راقب مليا نشاطاتي المتنوعة التي تمناها وطنية محضة أو قومية ، وفهم ميلي إلي التضحية ، ونذرني حلما لملمه من شتات ثقافته ، ولكن أي حلم أنت يا افريقيا ؟ من زرعك في إغفاءتي ؟ يا قبائل لا ادري أسماءها ولا أين تكون ، لا اعرف لغة لها ، وقد أُصبح إحدى طرائدها ، كما كل القديسين والأنبياء .
تجمع ودعاتها وتنثرها مرة أخرى ، تنظر إلى وسامتي وتقول :
- سيصبح ابنك سلطانا ...
تبتسم أمي وهي تتشرب هذا الفأل على مهل ، وارصد اهتمامها ومحاولة استيعابها لهذا القول ، فقد كانت تتمناني وجيها، مختارا ، موظفا كبيرا …!!
رأتني اقترب ، فنادتني :
- تعال واضمر ...
ما زلت انتظر من يهاتفني عن إجراءات السفر وموعده ، لعلي احتفل بعيد ميلادي على الطائرة ، لأبدأ سنة جديدة في حلمي .
-سيفك سيكون ماضٍ على حسادك وأعدائك ...
سمعتها ومضيت ، ورأيت أمي تدس بيدها بضع قروش ، وتتركها تلم ودعاتها
5 / 6 / 2000