طريد الظل
مجموعة قصصية منشورة
للقاص والروائي
سعادة عوده ابو عراق
القصة العاشرة :
حمامة خلف النافذة
من يرسل بك أيتها الحمامة الوادعة ، لتحطي على غصن أمام نافذتي، تسوقين معك مزن الفرح ، تهبطين بانسياب ، تدورين على نفسك ، تختالين بثوبك الأبيض ، تستحمين بالرقة الغضة والبهاء الآسر ، تفجرين شوقا للجمال بداخلي ، بعدما ظننته قد غفا ، تبللين عطشي ، وتمطرين على واحة القلب المتعب ندى .
هـا أنت تأتين كالطيف الذي يزورني مع هلوسات الإرهاق ، فيخاتلني إحساسي ، فلا ادري إن كنت أراك حقيقة أم تنبثقين من اختلاط الأمنيات ، تستقرين على الغصن الأجرد المتيبس ، تمايزين المكان ، وكأن مكوثك سوف يطول ، ولا ادري بما تتكلمين ، وأنت ترسلين هديلك موسيقى هادئة ، يتواتر فيه حرفا الغين والراء ، أتراك تجهدين قول كلمة غرب ؟ فتعجزك الباء ولا تكملين ؟ وأي رسالة تحاولين إرسالها لي ؟
أسمعك أيتها الحمامة ، وأنا أتدثر بعباءة أبي فراس الحمداني ، مستسلما لمشاعره وشاعريته ، أسألك عن حزنك المعلن هذا ، عن قصيدتك البكائية الدائمة ، لماذا لم يرع أحد فيك الوداعة الشفافة ، والوفاء الأبيض ، ابكيتني كما ابكيت يوما سجين خرشنة ، بالرغم من السابغة الصماء التي تغلف صدره ، اعرف انك شممت رائحة عشقه ، ولوعة قلبه ، ورأيت قوافيه تخادع السجان وتطير، وجئت إليه برسائل أتعبها البريد .
أيتها الورقاء ، ولا ادري لماذا أسماك العُرب هكذا ، اللونك الفضيّ، أم لعنايتك بالأوراق ، أنا احب الأوراق ، واحبك تحملينها ، زيتونا برتقالا أو قرارات الأمم المتحدة ، ولكنك ما حملت لا ذا ولا ذاك ، منقارك فارغ وأنت تتهجين كلمة غرب ، ولا أميزها إن كانت مبتدأ أم خبرا .
ليتني رسام ، لاثري لك الغصن أوراقا ، كما اشتهي وتشتهين ، احتفاءً بك ، واستكمالا لمشهد ارغب رؤيته ، لعلي أغريك على المكوث ، أتركك تنفلين ، تهتمين بنفسك ، تدغدغين إبطك ، بلا خوف آو رقيب ، استحلفك البقاء ، واتركيني اتأملك على هذا النحو ، ارسخ هذا المنظر عميقا في النفس ، كي استحضرك حين تذهبين ، حين ترهقين أمنياتي ، فتراودني فكرة اصطيادك ، وعذرا لهذا التعبير الوحشي ، فأنا احب أن ابقيك كما أنت هنا ، بالرغم من الهاجس الذي راودني ، ودفعني ذات مرة كي احضر شبكة وابذل الحب المنقّى ، واصـنع عشا رائقا به ذكر مثير ، لكنك تبقين عصية على الاصطياد ، تنامين في أحلامي ، وتسافرين صباحا بلا استئذان .
أيتها الحمامة ، أنا الحمداني الذي لم تتعبه الحرب ، إنما الفدية التي استكثرها عليه ابن العم ، والانتظار الممل خلف النافذة ، اقتربي ، فأنا لا أمد لك فوهة البندقية وتدا ، بل كفي المبسوطة، ألا ترينها جديرة باستضافتك ؟
ها أنت تهزين بجذع اجرد ، لا يساقط رطبا ، ماذا افعل كي أجعلك دائمة الإقامة عندي ، مدي ظـفيرة وقتك نحوي ، وارسلي هديلك كي ارتاح ، فأنا متعب بحبك ، أسمعك ولا أفهمك ،لكن تابعي، فسوف تكملين يوما عبارتك .
يا للوعة المحبين ، تطيرين بلا وداع ، تهدلين بالغين والراء ، ولست سليمان ليفهم منطقك ، أنا الحمداني الذي يغرد شعرا ، وابن خالويه القادر على تحليل طلسمك ، ولفظك المبتور ، ويكمل الكلمة ، لعلها غريب او غريم او غريق او غرور ، فما أفزعك كي تصفقي مذعورة ، تنطلقي ، وخلفك خيط النظر ، يتبعك أو تسحبينه بلا هوادة ، تغيـبين وتتركين لي حزنا شاخ واستعصى على الفناء .
يا لتعسي ، هذا غراب يسقط مكانك في ضوضاء ، كأنه تهاوى مصابا من السماء ، غير حافل بشيء ، يصرخ بحرفي القاف والعين ، صوته الأجش لا يغريني على تفهمه ,
أتراك كنت تحذرين أو تستنجدين ؟؟
غراب.. .. .. غراب .. .. .. 17 / 7 / 2000