طريد الظل
مجموعة قصصية منشورة
للقاص والروائي
سعادة عوده ابو عراق
القصة رقم (11) :
الزلـــزال
التقرير الرصين الذي أصدره مركز الرصد الزلزالي ، لم يكن موحها إلى العامة ، فالمصطلحات العلمية المنتقاة ، لا يفهمها إلا المختصون ، إلا أن وسائل الإعلام الخارجية التي نشرته ، أوضحته في أذهان الناس كارثة محققة ، ستقع بين ليلة وضحاها .
وها هو وزير الإعلام / غوبلز العرب / يضع التقرير بين يديه ، يناقشه مع مستشاريه ، يسألهم بسخط عن تسرب التقرير الى الخارج، وكيف اصبح هذا الشأن الداخلي المحض خبرا عالميا ، إذ أغرى المنظمات الإنسانية والدول الأخرى للتدخل ، وحفزها للإنقاذ السريع ، وهذا أمر محرج لرئيس الوزراء ووزير داخليته ، لأنه يعني فيما يعني تشكيكا بمصداقية الأمن الذي يقومان عليه ، فعلى وزير الإعلام أن يوقف هذا الفرار الجماعي من المدن إلى القرى والأرياف ، فكثيرة هي المخيمات التي بنيت بالعراء ، وهائل هذا الشلل ، ومدمرة تلك الفوضى التي تجتاح البلاد .
لا يدري وزير الإعلام كيف يُفهم رئيس الوزراء استحالة التعتيم ، وضبط الإعلام الموجه ، فأمامه قضية لا تحتمل وجهات نظر ، لكن دولته قال بحزم وتأنيب :
_ يجب أن يستمع الشعب إليك فقط ، هل تريدنا أن نقفل سماءنا ، عليك أن تتصرف كوزير للإعلام .
استدعى وزير الإعلام مدير المركز ، والذي هو برتبة بروفيسور ، ليلقي في روعه ، لعله يتراجع عن تقريره أو يسحبه ، يدفعه كي يناقض نفسه ، ويثبت أن البلاد معصومة من الزلازل فهذا ما يمكن أن يرضي به الرئيس ووزير داخليته
صاح وزير الإعلام بالدكتور الذي أدخل إلى الاجتماع
_ كيف تعلن خبرا مرعبا مثل هذا بين الناس ؟؟
دهش لهذا السؤال الذي لم يتوقعه من وزير ، ونسي غضبه لكرامته ، والتعامل السوقي معه وقال :
_ لك ان تنعت التقرير بما تشاء ، لكن الحقيقة لا تتأثر برأي الآخرين .
شعر الوزير أن النبرة الهجومية لم تهزه ، فتابع بنقد ساخر للتقرير:
- أفهمني كيف أن صفيحة صخرية مساحتها ثلاثة ملايين كيلو متر سوف تنزلق من قاع البحر ، لتنطح الصفيحة التي نحن عليها؟ أتراها زوارق سائبة على الشاطئ ؟؟
_ حقا إنك أجدتَ التشبيه ، وإنها تندفع نحونا بسرعة عشرين بوصة في اليوم .
_هذا خيال علمي .
احتد الدكتور غيظا لهذه الإهانة ، وقال :
_ أنا أتكلم علما محضا ، وعليكم أن تتعاملوا مع ما يراه العلم ، لا أن يتعامل العلم مع ما ترونه .
اشتعلت الجلسة توترا ، فليس من السهل أن يهزم عالم وزيرا ، فقال الوزير ليشعر الدكتور انه محيط بعمله ، وانه يوجهه
_ وفر هذا لمحاضراتك ، ومجامعك العلمية ، نحن حبال فوضى اجتماعية ، وأنت خلقتها .
_ أنا لم اختلق شيئا ، أنا اكتشفت حقيقة وأعلنـتها كما ينبغي.
ما هذا الصدام الذي لا يحسد عليه مع عالم كبير له مكانته، إذن لابد من الالتفاف على الموضوع قبل أن يفتر الحماس .
_ ألا يخالجك شعور بالخطأ ؟
_ كيف يخالجني والرصد الجيـو فيزيائي يتابع هذا الانزلاق؟ وما هي إلا ساعات وتقع الكارثة ، ألم تسمع عن الأمواج العاتية في عرض البحر ؟
_ بما أن الأمر لم يقع ، عليك أن تصدر تكذيبا .
_ أنا ما تفوهت بتصريح أسيء فهمه وترجمته ، أنا أصدرت تقريرا علميا .
قالها بانفعال وغادر الدكتور الاجتماع مغاضبا ، وأبقى الوزير الذي سُرّ لهذه النهاية السريعة ، يناقش مع مستشاريه البيان الذي سوف يعدونه ، ويشككون بالحتمية العلمية التي توصل لها الدكتور ، ويبيّـنون أن الصفيحة المزعومة قد عدلت من خط سيرها ، بل راوغت الدكتور ، رحمة بالبلاد والعباد ، وان الله فوق كل ذي علم عليم ، وسوف يتلى هذا البيان على الملأ بحضور الصحفيين والعلماء وشيوخ العشائر .
لم ينس عند الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة ، ان يطلب شيئا هو من صلاحيات مدير العلاقات العامة قائلا :
_ واللقاء الصحفي سيكون في حديقة الوزارة ، إنها متسعة ومكشوفة .
وغادر الوزير القاعة مستعجلا بلا استئذان ، ودخل مكتبه وتناول الهاتف واقفا على عجل ، وكأنه يهم بمغادرة الوزارة ، رد عليه مدير مكتب رئيس الوزراء .
_ دولته ليس هنا ، لقد دعاه معالي وزير الداخلية إلى غداء عمل في مزرعته .
شعر الوزير بعدم اتزان ،
أتراها دوخة ؟ أم دوارا ؟
أم أن الأرض تميد ؟
أم من أين تراه قد ابتدأ الزلزال ؟
3 / 7 / 2000