طريد الظل
مجموعة قصصية منشورة
للقاص والروائي
سعادة عوده ابو عراق
القصة رقم (14) :
72
مشروع قصّـة
ككل المبتدئين بالكتابة، يجلس الفتىامام الاديب المشهور ، بكل تهيب وتهذيب ، مغتبطا لما يلقاه منه ، يغمره شعور بالتميز ، وكأن الكاتب الكهل إذ يستمع إليه ، انما يرشحه لعالم الأدب ، ولا يخفى على الكاتب الروائي ارتباك الفتى وفرحه ، وكأنه على أبواب امتحان للتأهيل ، لعله عاش يوما هذه التجربة ، ويعرف كيف يخترق له الحاجز النفسي ، إذ قال بنبرة أبوية واضحة :
_ ليس هناك من يولد كاتبا .
اطمأن الفتى واسكن شيئا من هدير هواجسه ، فقد وجد من يفهمه ويغريه على تقديم نفسه بلا وجل ، ويفتح لتجربته الأولى صدره.
_ اقرأ على رسلك ، ولا تتحرج من أخطائك النحوية .
73
إذن لن يستصغره حينما يخطيء ، فليخرج الورقة المطوية من جيبه بلا تردد ، لا يدري إن كان اسم القصة ضروريا أم لا ، رغم انه قد فكر بذلك طويلا ، فقد سمعها بلا عنوان ، حكاية شعبية لا يدري كيف تواترت إليه ، أو عن أي طريق ، فقال كأنه يعتذر عمّا سيلاحظه الكاتب من أخطاء .
_ كتبتها أمس ...
أدرك الكاتب الكهل أن الفتى يعتذر عن عدم التنقيح فقال مقترحا :
_ إن لم ترغب بالقراءة فلخص القصة ..
سر الفتى لهذا المخرج ، فقد يكون اقدر على الرواية الشفهية،وهذا ينجيه من كشف محقق عن مستواه اللغوي والبلاغي ، لكن..!! هل يغني الملخص عن النص الأدبي ، فقال الأديب لكي يوضّح له انه لا يرمي إلى اختصار اللقاء :
_ بعد أن تقصها ، سأقارن بين ما تصورته وكتبته .
نحّى الفتى الورقة المقطوعة من دفتر مدرسي ، وهيّأ نفسه قائلا :
-( انتدب أهالي القرية شابا شجاعا جريئا ، ليعيد لهم قطيع الأغنام الذي استحوذ عليه قاطع طريق ، ولاذ به إلى أعلى الجبل، متحصنا خلف صخور مرتفعة برشاش (برن) ، وكان قادرا على صد أي هجوم ، أما القرية فقد سلّحت الشاب ببندقية ومشطين من الرصاص )
تفهّم الكاتب السمات العامة للقصة ، اشتمّ نكهة الحكاية الشعبية ، والأجواء الأسطورية ، تسامح ، وقد لا حظ نظرات الفتى المتوسلة :
_ جميل ، لقد قدمت مناخا للقصة ، وتأسيسا للأحداث .
سرَّ الفتى لهذا الثناء وتابع :
_ ( وضع الشاب خطة ذكية ، إذ حمل طربوشا وطاقية وحطة وعقالا ، وتقدم نحو الجبل متخفيا بين الصخور ، وحينما اصبح على مرمى الطلقة ، وضع الطربوش على قنطرة ، وأطلق نحو اللص طلقة ، وهرب إلى الأمام ، فأمطر اللص الطربوش بوابل من الرصاص ، بينما تمكن الشاب من التحصن في موقع متقدم ، حيث اخرج الطاقية ووضعها على صخرة ناتئة ، واستفز اللص برصاصة أخرى ، وهرب إلى الأمام مجددا ، فانهال اللص على الطاقية بما لديه من عتاد ، وكرر العملية مرة ثالثة ، مستخدما الحطة والعقال )
كان الكاتب ينصت بذهنية أخرى ، مأخوذا بسحر الحكاية الشعبية ، التي ترضي قلق اللاوعي في الوجدان الشعبي ، إذ يصنعون الأبطال ويسلحونهم بذكاء متواضع كما سلحوا الشاب ببندقية قديمة ، استمتع بالحدث المتصاعد والنهاية المرسومة منذ البداية ، فسوف يواصل تقدمه ، مستخدما نفس الخدعة ، إلى أن يصل اللص ، وقد نفذت ذخيرته ، وعندها سيداهمه ويصرعه ويعيد الأغنام .
شعر الفتى باستخفاف ما بقصته ، فقد حرق الذروة التي يتصاعد نحوها ، هل حدس بها أم توقعها ؟ أم سمع الحكاية مثله ؟ قال يدافع عن القصة :
_ لقد كان بطلا ذكيا وجريئا ..
ما كان بإمكانه أن يشرح له العناصر الجيدة للقصة ، والعلاقة الجدلية بينها ، وكيف يؤثر الموروث الشعبي في تسامي الإبداع وانطلاقه ، ويبتعد عن زمرة المتزلفين لمنطق العامة ، فلا هم يَنهَضون ولا يُنهِضون معهم أحدا ، فقال للفتى :
_ لقد كان بطلك ذكيا وشجاعا ، ولكن ماذا عن اللص ؟
قال الفتى ولم يدرك مقصد الأديب :
_ لقد كان لصا ..
_ لكنه يفكر ، ويتصرف ، له منطقه وأسلوب تفكيره المتميز ، الذي يجعل منه لصا .
لم يخطر ببال الفتى مناقشة مثل هذه ، انه يكتب قصة انتصار الخير على الشر !!
_ كانت خطة البطل رائعة ، ولا بد أن ينتصر في النهاية
_ لكنك افترضت أن اللص عديم التفكير ، ولا يتعلم ، ويطلق الرصاص بغباء ، كما تريده أو يريده وجداننا ، فماذا لو كان اللـص أذكى مما تصورته ؟؟
بان على وجه الفتى الخيبة ، وعلى وجه الأديب الحيرة ، فهل سيخرج هذا الفتى يوما من حيد الأفكار السهلة ، إلى حيد اللؤلؤ البكر؟
فقال بكثير من الصدق والتمني :
_ لست في مستوى اقل مما يتباهى به الآخرون .
1 / 7 /2000