طريد الظل
مجموعة قصصية منشورة
للقاص والروائي
سعادة عوده ابو عراق
القصة رقم (16) :
الوشــم
اغفري لي يا أروى ، ولا تتركيني فريسة ذنب اقترفته وحدي ، ها أنا أبدو ناكثا لقسم أردته أبديا ، حينما قلت لك في لحطة انتشاء : احبك إلى الأبد ، ولم تصدقي كلماتي الحارة الطازجة ، ولم تتذوقي القطفة الأولى للقلب ، فقلت لك ، سأكتب لك هذه العبارة على ساعدي ، ولن احنث بوعدي حتى تقطع يميني .
اغفري لي يا أروى ، فهذا الطبيب ومساعدوه يعدون العدة لإجراء عملية تجميليـة ، سيزيلون اسمك والقسم ، سيزيلون الوشم الذي تحملت به ما تحملته من عذاب الوخز ، حينما أُدمِيَ جلدي الأبيض الغض بلا تخدير ، فاختبرت بذاك لذة الألم وألم اللذة ، كنت أراك تسافرين عميقا في القلب ، مع دفقات الوجع في أرجاء الجسم ، تُزرعين بعيدا وتمدين جذورك مع الشرايين ، فازداد يقينا بأنك لن تقتلعي بسهولة .
اغفري يا أروى ، فأنا أعيد النظر في هذا التعبير البدائي عن الحب ، فلم اكن املك من الوسائل غير تلك ، لم اكن شاعرا كي أعلن حبك بميناء الأخبار وفي حبر القصائد ، ولم اكن رساما لأجعل منك جيوكندا العصر وجيرونيكا العرب ، كنت مراهقا رأيت فيك بوابة وحيدة للحياة ، بوابة واسعة جميلة ، دخلتها وتركتك توصدينها خلفي كما أشاء .
اغفري لي يا أروى ، فقد الجأتـني الدروب الغامضة إلى ذلك ، جعلتني أفكر بتعبير آخر للحب ، فكم وظيفة رفيعة صدتني ، لأني احمل وشمك ووسمك وقسمك ، لقد رأوا فيّ سوقيا مبتذلا انتمي إلى حثالة لا يليق بها أن ترقى إلى مجتمع صارم ، ينكر دخيلته وينكر تاريخه ، لكني اقسم مجددا أني لن أتنكر لتلك النبضة البكر للقلب ، رغم انك لن تسمعي قسمي ولن أقوى على إيصاله لك . اغفري لي ، فقد أصبحت كتابا مفتوحا ، يقرأ فيه الناس تاريخي وأسراري ، وأصبحت رجلا أحيا بلا سعادة .
اغفري لي يا أروى ، حيث تكونين الآن ، متزوجة كنت أم خالية، تذكرينني أم مشغولة بغيري ، فآلام الوشم ما زالت تتواصل ، خائر محبط كمن عثر على كنـز ولم يستحوذه ، يؤرقه كابوس الخسران، آماله الخضراء حرقتها الخيبة ، وغدا هيكلا يتحطم على الشاطئ بلا عناء .
اغفري لي يا أروى ، فهذه العملية التجميلية تكلفني فوق طاقتي، كما كلفني الوشم حينئذ فوق طاقتي ، فوق ما يحتمله فتى يأخذ مصروفه اليومي بضعة قروش ، ولا ادري إن كنت تقدّرين تلك التضحية ، وتلك المغامرة ، فتغفري لي ، وتكفيني عناء الإجابة وحرجها، حينما تسألين يوما وأنت ترين ذراعي بلا اسمك ولا وشمك ولا قسمك .
اغفري لي يا أروى ، فقد حان الوقت ليفعل الأطباء فعلهم، هذا طبيب التخدير ، سيزرع تحت الجلد عقاقيره ، سأغفو بعدها ولا ادري متى سأصحو.. ؟؟ بعد ساعات ..؟؟ لكني سانهض وأنت لا تنامين على ذراعي كما هو دأبك طول هذه السنين ، أتمنى لو تكونين الطبيبة التي ستزيل هذا الوشم ، لعلك تعرفين أي رجل هذا الذي احبك كل هذا الحب ، وبهذا القدر من العذاب وهذا الكم من التضحية .
أروى ... ستعلمين علم اليقين ، أني قد كبرت على هذا الأسلوب المبتذل ، والتعبير البدائي عن الحب ، وسوف أجيء بما يليق بحبك من سمو، فقد نضجت بما يجعل مني متفردا ، وعاشقا يحتذى
أروى ... اغفري لي ودليني كيف اغتسل بمستقبلي ..
لتنسني يميني إن نسيتك يا أروى
5 / 7 / 2000