العرض حالجي
سللة حكايات المواطن دحدح
بقلم:الداعي بالخير،صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
اضطر المواطن دحدح إلى معاملة من دائرة حكومية ، والمواطن دحدح لا يكره شيء مثل ما يكره الدوائر الحكومية لِما فيها من روتين وبيروقراطية وتغَوَّل موظفيها وامتهانهم لكرامة المواطن وخصوصا مِن قِبَل صغار الموظفين الذين يلبسون هيبة الصقور، والذين ينطبق عليهم قول المثل الشعبي (كلب أجرب وانفتح له مطلب) ...!!!
وذهب إلى دائرة حكومية ، وطلب نموذجا لاستدعاء ، أو عرض حال أو مضبطة أو استرحام .. فكل هذه المسميات لمسمى واحد يشرح من خلاله المواطن ما يريده من الدائرة الحكومية ...!! وهناك نموذج خاص لبعض الدوائر يقتصر على بعض التعليمات والبنود المطلوبة لتعبئة النموذج مما يلزم للوثيقة المذكورة ...!!!
وعادة ما يكون هذا النموذج لدى الدائرة ، تقدمه للمواطن مجانا ، يقوم بتعبئته حسب الأصول ، ويلصق عليه الطوابع الضرورية إذا كان لذلك لزوم ، وان عجز الموطن عن ذلك ، هناك كتبة استدعاءات، أو (عرضحالجيه) ، أمام الوزارة ، أو الدائرة تقوم بالمهمة مقابل مبلغ مقطوع ، أو (شو بطلع من نفسك) ...!!!
اعترض المواطن دحدح على أسلوب (روح واكتب استدعا) ، وصرخ الموظف بوجهه عندما أخبره أنه يحسن الكتابة ، بل وخطه من أجمل الخطوط ،ولغته العربية ممتازة ، ويحسن الإملاء ويعرف العطف من الحال ، والجار من المجرور ، والفتح من الضم ..واسترسل ، غير أن الموظف الصقر أرهبه وأسكته وحذره من إبراز مواهبه والتسبب بإضاعة وقت الآخرين ، ولو أنه سيبويه ونفطويه وعميد الأدب العربي ، عليه أن يذهب ويكتب استدعاء ، لأن قوانين الدائرة تشترط ذلك ، ومن استدعاءك واستدعاء غيرك هناك أسر تعيش ، و(قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)...!!!
وذهب المواطن دحدح إلى كتبة الأستدعاءات ، وطلب من أحدهم أن يكتب له استدعاء للدائرة ، وكان الكاتب ينظر إليه باستصغار ، ويملي عليه شروطه ، فغضب دحدح ، وتركه وذهب إلى آخر ، ولم يكن أحسن ممن قبله ، وأدرك أن أي معاملة لا تتم حتى تخرج من تحت أيديهم ، وهم جميعا على شاكلة واحدة (دقة الحاج علي) أو (قاريين على شيخ واحد) ، وعليه أن يحتمل هذه المكاره ، ورضخ ...!!!
وكتب الكاتب الذي يمكن أن يطلق عليه أي لقب إلا كاتب ، لأن ليس له علاقة بالكتابة ولا سواها ...فخرج من تحت يديه ورقة عليها (خرابيش جاج) ، خط من أردأ ما رأى دحدح في حياته ، لا يُقرأ ، ومليء بالأخطاء النحوية والإملائية ، بحجة (ما حدا قاري) ، وأخذ منه على ذلك الأفك والأفتراء دينارا حتى دون نقطة دمع كما كان يفعل طيب الذكر غوار الطوشة ...!!! وقدم الاستدعاء ،أو العرض حال للموظف الذي خرطش عليه بقلم أحمر عبارات مبهمة غير مفوهة ، لا يمكن لجن أو انس أن يقرأ منها حرفا واحدا ، وجلس المواطن دحدح ينتظر فرج الله بإتمام تلك المعاملة ، ولتلك قصة ولا سيرة الزير سالم (المهلهل) ، لن نجد وقتا لسردها، ندعها لظروف أخرى إن شاء الله تعالى ...!!!!
بعدها فكر دحدح أن يصبح (عرض حالجي) ، سيما ولديه من الصفات والمواهب أكثر من كل الذين يعملون بذلك ألكار ....!!!
وسعى حتى حصل على ترخيص ، بعد أن استنفذ كل ما يملك من قوة وصبر ...ومال ..!!!
وأحضر طاولة مكتب أنيقة ، ومظلة جديدة تظلل عليه وعلى الزبائن ، حتى لا يكون أنانيا مثل الآخرين ، وجلس وراء المكتب بكل وقار على كرسيه الفرار ، وليس مثل الآخرين الذين لديهم طاولات وكراسي مخلعة تهتز مثل (نعش....)!! ومظلاتهم الباهتة ...!!!
وعندما تميز دحدح عن الآخرين ، لفت أنظار الناس إليه ، فيكتب لهم بخط أنيق مرتب مقروء مائة بالمائة ، ومظهر الاستدعاء الذي يخرج من تحت يديه (يفتح النفس) .. !!!
وبعد نصف ساعة من كتابته أول استدعاء لمواطن نزل صاحب الاستدعاء وعيناه تقدحان الشرر وهو يسب دحدح بشتائم مقذعة ، لآن الموظف رفض قبول استدعاءه النظيف المرتب ، وأرسله ليكتب آخر عند الكتبة الآخرين ، المخضرمون الذين تنبت الطحالب تحت أقدامهم الذين تضرب جذورهم في الأرض عميقا ، يصلح للرقاد الأبدي في مقبرة الأرشيف ، حتى لا يتصيد بعض المفتشين أخطائهم الإدارية ، إذا ما تمكنوا من فك شيفرة الخطوط ، ودحدح يكتب بخطوط لا تنتمي للشيفرة ... وهذا يفسد روتين الوظيفة ودوائر الحكومة ..!!!
واكتشف المواطن دحدح أن الأناقة والعلم والفهم والمعاملة بالحسنى هي التي تفسد الذوق العام وهي سبب الفقر والتأخر عن ركب الحياة ... و (حط راسك بين الروس ، وقول يا قطّاع الروس)...!!!
كما اكتشف مضامين في حكاية الشيخ جحا أن لباسه الديني هو الذي يسبب له الفقر والضنك في الحياة ، فخلعه وألبسه للثعلب الذي كان يسطو على دجاج القوم ، فأمسكوه وتداولوا طريقة لعقابه الرادع ، فزعم لهم جحا أنه بهذا اللباس لن يرى الرزق أبدا لأنه مجلبة للفقر والحاجة ، وسيموت جوعا ، وهذا أقسى أنواع العقاب ...!!!!
ولكن مشكلة المواطن دحدح أنه متفائل دائما ، ولا بد وأن هناك في كل ذلك الظلام بصيص نور وفرجة أمل ...!!!
ورغم أنه حمل أغراضه وأثاثه وغادر تاركا الميدان لحميدان ، إلا أنه لم يفقد الأمل بالخير وإصلاح الآخرين ...!!!!!