طوشة الكوستر
سللة حكايات المواطن دحدح
بقلم:الداعي بالخير،صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
المواطن دحدح مواطن شريف جدا ، ولم يُعرف عنه أنه استباح شيئا ليس له ، أو أكل حق من حقوق الآخرين ، فمعياره في الحياة تقوى الله ، وتقوى الله نور وقوت القلوب ..!!!!
والأحسان هو شعاره في الحياة ، إن لم تكن ترى الله فأنه يراك ، ومع ذلك كان يكره أن يستغفله أحد بحق من حقوقه مهما كان ضئيلا وتافها ، لأن من يفرط بالقليل يفرّط بالكثير ، والذي يسرق البيضة يسرق الجمل ، وحتى تحافظ على الجمل يجب أن تحافظ على البيضة ، وتطالب بها فيما لو سرقت منك ، حتى لا يستغلك السارق ويسرق ما هو أكبر ....!!!
كان المواطن دحدح يقف عند اشارات عبدون ، متجها إلى مجمع المهاجرين ، والمسافة بينهما قريبة حيث من كان لديه بعض وقت يستطيع سيرها على الأقدام ، ولكن المواطن دحدح كان في عجلة من أمره ، فأشار إلى إحدى حافلات الكوستر ، التوابيت المعدنية التي تحمل الموت معها في كل خطوة من سيرها على الشوارع ، ولم يكن معه من النقود قطعة العشرة قروش ، يعطيها للكنترول حتى لا يدخل معه في جدل بيزنطي من أجل رد الباقي ، وكانت الأجرة (13) قرشا من مجمع المهاجرين حتى البلدة القديمة في وادي السير ، والحد الأدنى هو دفع الأجرة كاملة ...!! مجرد ما لامست قدمك باب الحافلة ، حسب قانون عدم تجزئة الأجرة ، أو عبارة (الأجرة كاملة مهما كانت المسافة) التي تعلق على لوحة استفزازية في الحافلات ، فاضطر المواطن دحدح تقديم نصف دينار للكنترول والذي أعاد له (35) قرشا ، فغضب المواطن دحدح وهو قلما يغضب ، ولكن غضبه بركان فيما لو غضب ، فقدم للكنترول معلومة ، وهي : أنه صعد مسافة قصيرة جدا لا تتجاوز كيلومترين ، ولا تستحق في مقياس المسافة قرشين ، ولكنه يتنازل عن (بريزة) (10) قروش ، وعليه أن يعيد له الباقي ، وهو (شلن) خمسة قروش ...!!!
واستعرض الكنترول للمواطن دحدح ذراعيه القويتين المرشومتين بالوشم في محاولة لأثبات صفته (أزعر ورد سجون وراس مالك شفره تخربط وجهك وترسم خارطة الوطن العربي عليه) ؟؟؟!!!
ولكن المواطن دحدح كان يظن أن الحق والقانون أقوى !!!
ولكن دحدح أعاد على أسماعه أنه يريد باقي النقود ، وهو شلن كامل ، فقال الكنترول : قلنا لك الأجرة 13 قرشا ، و(ما في قرشين أرجعلك ، عض عَ طاحونتك واسكت أحسن إلك وأسلم إلنا ، وخلي نهارنا ماسك عَ بعضه) ، وأدار ظهره لدحدح باستصغار واحتقار ، وهو يقول : (أما ركاب زباله)...!!!
همس المواطن دحدح (المسافه قصيره وما بتستحق الأجره كامله) ، وسمعه الكنترول المصارع وصرخ به : (وليش ما مشيتها مشي يا روح أمك) ، ولن المواطن دحدح قال : (على فرض ما تقوله صحيح ، فخذ أجرتك الكامله ورجع لي قرشين ، هذي من حقي) ....!!!
ولكن الكنترول زمجّر بوجهه وقال : (قلنا مافيش معنا قروش ، إنت ما بتفهم)... ؟؟؟
وبدأ الكنترول يكيل الألفاظ البذيئة للمواطن دحدح الذي حاول أن يعرف قدر نفسه في غابة الزعران ، ويكظم غيظه ، وطلب بأدب من الكنترول أن يصمت ويكف عن الكلام ، وأن الأجرة ليست دستورا ، حتى الدستور يتم تعديله عند الحاجة ، والأجرة يجب أن تتجزأ ...!!!
وعند هذا الحد الذي أدّى إلى انتقاد الأجرة ، غضب السائق لغضب الكنترول ، وداس على كوابح الحافلة بقوة وفجأة فاهتز الركاب اهزازا شديدا وارتطموا ببعضهم ، والواقفون سقطوا أرضا ، وسحب السائق مفتاح الجنط وهجم والكنترول على دحدح وسحباه خارج الحافلة ، وبدءا به ضربا وركلا ، حتى اختلط دمه بالتراب ، والركاب في الحافلة يتكورون على بعضهم رعبا من المشهد الدامي من أجل قرشين ، وتركا دحدح ملقى أرضا وصعدا إلى الحافلة وقادها السائق بسرعة جنونية ، دون أن يجروء أحد على التفوه بكلمة واحدة ، في حين قال الكنترول : المسألة مسألة طاعة ونظام ، حتى لا يجروء كلب مرة أخرى على انتقاد الأجرة ، لأننا لو فتحنا الباب لكل كلب ينبح ، لتركنا الحافلات وجلسنا في بيوتنا ، فالويل لمن لا يعرف قدر نفسه....!!!
قد تكون هذه الحكاية تعبيرية ويرى البعض بها شطحة خيال ، إلا أنها مسحوبة على الواقع ، وهي صورة فوتوغرافية على أرض الواقع ، وأرى أن نظام النقل في الأردن نظام متأخر متخلف ظالم ، يتاح للمافيا الاستغلال البشع للفقراء ، لأن الأغنياء لا يستعملون النقل العام أصلا ، ولم يحدث أن ركب أحدهم وسيلة نقل عام ، وهم غير معنيين بالأمانة ، وحفظ حق المواطن من جشع المالك ، وليس في العالم اجرة السرفيس والتاكسي أقل من الحافلة إلا في الأردن ...!!!
أعان الله لبطل دحدح الذي رفع الصوت واعترض ، فذاق وبال أمره ، وأعان الله الجبناء أمثالنا الذين نستسلم على مبدأ (غلب بستيره ولا غلب يفضيحه) ...!!!!!!!!!!!!!!!