المقدمة
بقلم الشاعر عاطف عبد العزيز العدناني
لم تكن الكتابة من طموحاتي يوما واحداً ، فقد كنت أتهرب منها متجهاً الى الطموحات
التجارية التي تراودني ، لا جشعاً في حب المال ولكنهاالظروف التي أعيش ، فقد تزوجت في ريعان شبابي ، تحملت أعباء الحياة مبكراً ، لم أذق معها لذة حياة الصبا ، تجا وزت تلك المرحلة قفزاً و انتقلت منها الى الرجولة نقلة البرق الذي يمر امام عيوننا كومضة تتبعها زخة من سحاب ، لا بل زخات عديدة من العمل المجد الدؤوب .
استثمرت وقتي بالعمل ، انتقلت من حياة الطالب الى حياة المدرس دفعة واحدة . حين نقلت الى مدرسة سلواد الثانوية مدرساً للتربية الرياضية ، كان الاخلاص شعاراً و استثمرت الايام الماطرة في الشرح الشفوي على السبورة للأمور الرياضية الفنية ، كنت من السباقين في الامتحانات النظرية في اللواء ، حصلت على كتاب شكر من مديرية التربية و التعليم لواء رام الله .
تعاملت مع طلاب في مثل سني ، ما زلت أذكر الزيارة الأولى لسماحة مدير المدرسة عندما أثنى على جهودي امام الطلبة قائلاً :-"انظروا الى هذا المعلم الشاب الذي يكبركم بست فقط" . كان مقصده ستة أشهر - كون الرسوب في الصفوف كان متاحاً دون حدود - لكن الطلاب تفهموا انها ست سنوات .
إنها ذكريات حلوة ذات طعم مميز ، فقد كنا لا نعلم ماذا يخبىء لنا القدر قبيل نكسة حزيران ، أواخر العام الدراسي 1967م و بالتحديد في اواخر شهر ايار حيث أكرمت أهالي المدرسة المركزية في المنطقة بأسرها ، حضر الزوار من مناطق عديدة من اللواء و خارجه ، حضر أهالي الطلبة من قرى المزرعة الشرقية التي تضم ، دير جرير ، رمون ، كفر مالك ، بيرود ، الطيبة ، حضر موجه التربية الرياضية سعادة الأستاذ الأكرم أبو الهوى و سائر أعضاء المكتب في لواء رام الله .
كانت الأسرة المدرسية في الاستقبال يتقدمهم مدير المدرسة سماحة الشيخ الجليل (صالح السلوادي) و سماحة الشيخ الجليل (فتح الله السوادي) الذي شارك بقصيدة مطولة ، هذا و لا أنسى الصديق العزيز (سعادة الأستاذ علي البتيري الذي شنف الآذان الفتية المعبرة ، حيث كان عريفاً للحفل يساعده سعادة الأستاذ عرفات أبو ميالة مدرس اللغة العربية ، و معهم سائر الأسرة التربوية و على وجه الخصوص سعادة الأستاذ قوي البنية خضير عديلة الذي قدم عروضاً مميزة مع الطلبة ، فنالوا استحسان كافة الجماهير ، و شاركت قيادة التموين القريبة بحضور مدرب من الجيش و شارك الطلبة بتقديم برنامج (لفك و تركيب الرشاش) بقيادة العقيد نايف عبد الرزاق الذي تبرع بتقديم كراسي الحفل حيث تم نقلها الى ملاعب المدرسة .
أمضيت زهرة شبابي في تربية النشء (سقت من حياتي) و لما صحوت و عدت الى نفسي كنت بين نارين إما الالتفات الى نفسي و إكمال دراستي الجامعية او التضحية بها الى ابنائي فاخترت الثانية..... و هكذا و كان لي ما ردت حتى أكملوا دراستهم الجامعية ذكوراً و إناثاً .
كان للمثابرة دور مهم في حياتي الذي لم أذق طعماً أجمل منه (بعد التقاعد) ، انطلقت في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ثم الالتحاق بدورة في مجال اللغة و العروض و الأدب فشاركت بها مع مؤسسة البابطين الكويتية و اتبعتها بغيرها لتصبح هوايتي فيما بعد هاأنذا أقدم خلاصة مثابرتي .
أذكر أنه في إحدى المرات خلال الدورة العروضية كان الحديث مع الزملاء عن الجدوى التي نستفيدها في مثل هذا السن المتفدم ، قال أحدنا أتعرف لماذا سمي النابغة الذبياني بهذا الاسم ؟ كان الجواب لأنه نبغ في سن متأخرة ، أما الاسم الذبياني نسبة الى قبيلة (ذبيان) و الآن و بعد أن نقبت عن كلمة نابغة وجدت ثلاثاً منها بهذا الاسم . النابغة الذبياني و النابغة الجعدي و النابغة زياد بن جابر .
تيمنت خيراً من هذا الاسم واخترت العدناني و اضع هذه المقدمة .
قال الله سبحانه :- " و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمراً ان يكون لهم الخيرة من أمرهم "
و الصلاة و السلام على أشرف الخلق و المرسلين محمد صلى الله عليه و سلم تسلسماً كثيراً الى يوم الدين .