منتديات سنجل الباسلة
اهلا بك عزيزي الزائر , يجب عليك التسجيـل لتتمكن من المشاركة معنا وتتمتع بجميع المزايا للتفاعل مع أسرة سنجل في جمع التراث الفلسطيني وتراث العرب وحكاياتهم الشعبية هذه الرسالة لن تظهر بعد أن تسجل او تقوم بتسجيل الدخول ان كنت مسجل مسبقا!
منتديات سنجل الباسلة
اهلا بك عزيزي الزائر , يجب عليك التسجيـل لتتمكن من المشاركة معنا وتتمتع بجميع المزايا للتفاعل مع أسرة سنجل في جمع التراث الفلسطيني وتراث العرب وحكاياتهم الشعبية هذه الرسالة لن تظهر بعد أن تسجل او تقوم بتسجيل الدخول ان كنت مسجل مسبقا!
منتديات سنجل الباسلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى تراثي فلسطيني
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
أهلا وسهلا بكم رواد  منتديات سنجل الباسلة نتمنى لكم أسعد الاوقات

 

  الموت ومعتقداته الشعبية في بلاد الشا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
صالح صلاح شبانة
المدير العام
المدير العام
صالح صلاح شبانة


عدد المساهمات : 2459
تاريخ التسجيل : 21/05/2011
العمر : 70
الموقع : الأردن

 الموت ومعتقداته الشعبية في بلاد الشا Empty
مُساهمةموضوع: الموت ومعتقداته الشعبية في بلاد الشا    الموت ومعتقداته الشعبية في بلاد الشا Emptyالثلاثاء مايو 24, 2011 3:22 am


الموت ومعتقداته الشعبية في بلاد الشام

الجذور والديمومة
منقول عن : د . بشار خليف
بواسطة الداعي بالخير صالح صلاح شبانة

أخبرْني، صديقي، أخبرْني صديقي،
أخبرني بحالات العالم السفلي، الذي رأيتْ
(ملحمة جلجامش)
الموت، ظاهرة، مقرونة بالحياة، بانتفائها ينتفي، أو لعلنا أمام تواطؤ بينهما فمقابل اخضرار الحياة يلمع سيف الموت الأسود، ليحصد ما زاد عن حاجة الحياة وخصبها، وأحيانا ما لم يزد عن حاجة الحياة.
تأملَ أرسطو الموت فقال: " الموت أكثر الأشياء فظاعة "2 . أما أسخيلوس فقد أشاد بالموت "كشفاء من بؤس الحياة"3، في حين وقف الفيلسوف زينون الرواقي متصالحاً مع الموت بقوله:" إن الموت ينتمي إلى النظام الكوني للأشياء فهو موافق للطبيعة وبالتالي فإنه قانون عادل، ولا أساس للشكوى منه أو الاحتجاج ضده "4.
إذن هو التسليم بشرعة الموت طالما أنه قدر محتوم، ولا يبقى على الإنسان سوى وعي الموت وظواهره وحتميته، كي يفوز بحياة هي طقس للعبور نحو عالم يكتنفه الغموض وطلاسم المجهول.

و لعل الانشغال بظاهرة الموت، اقتضى مرور ملايين السنين من الوجود البشري على الأرض، حتى غدا دماغ الإنسان قادراً على وعيّ هذه الظاهرة واستنباط الحلول التعويضية اللا شعورية تجاهها 5.
فإذا كان أقدم وجود بشري دلّتْ عليه اللقى الآثارية يعود إلى 3،5 مليون سنة في أفريقيا، فإن الوجود البشري في المشرق العربي / الهلال الخصيب / حسب المعطيات الآثارية يعود إلى حوالي مليون سنة، وذلك في موقع " ست مرخو" في اللاذقية بسوريا، حيث أبان الموقع عن أدوات خلّفها الإنسان هي عبارة عن فؤوس ومعاول وسواطير وشظايا ونوى وقواطع استخدمها الإنسان آنذاك لغاية حياة الصيد والتقاط بذور النبات.6

البنية الدماغية للإنسان ووعي ظاهرة الموت:
ليس الإنسان الحالي من سلالة القرود، إنه من سلالة الرئيسيات التي عاصرت سلالات أخرى لم تتطور إلى الحالة الإنسانية، فبقيت على حالتها مورفولوجياً وفيزيولوجياً.
أما لجهة سلالتنا من الرئيسيات فقد تطورَ إدراكها مع الزمن / تبعاً لتفاعلها مع البيئة الطبيعية ومجالها الحيوي /، ولعل قوة التفاعل تلك هي التي قدّمتْ حوافز التطور الدماغي لدى إنسان المشرق العربي منذ مليون سنة خلت وحتى الآن.7
فالمعلوم أن البنية الدماغية لدى الإنسان تتألف من ثلاثة أقسام:
- القشرة الدماغية: التي تشكل 85 % من دماغ الإنسان وتتجلى وظيفتها الأولى في الإدراك.
و تتألف من أربعة فصوص هي: الفص الجبهي - الجداري - الصدغي - القذالي.
- القسم الحوفي أو الطرفي: يعتبر مركز عواطف التدين والفرح والغيرية والعاطفة الإنسانية بما فيها ظاهرة الموت.
- القسم الزواحفي.8
و في مناقشتنا هنا لوعي ظاهرة الموت في العقل الإنساني فإن ما يهمنا هو التطور المُتبدي في القسم الطرفي من الدماغ، حيث تشير المعطيات العلمية إلى أن وعي هذه الظاهرة استغرق زمناً طويلاً امتد لملايين السنين حتى غدا الإنسان واعياً لها ولمقتضياتها.
و في المشرق العربي استغرق هذا الأمر مرور حوالي 900 ألف سنة حتى بدأ الدماغ الإنساني يعي هذه الظاهرة.
فقبل 100 ألف سنة تقريباً وحسب المعطيات الآثارية يبدو أن الإنسان المشرقي لم يعد ليترك أمواته نهباً للوحوش أو ضحايا للتفسخ والتعفن، بل سعى إلى دفنهم وفق شعائر معينة، دلّ على ذلك اكتشاف موقع مغارة الديدرية قرب مدينة حلب في شمال سوريا، حيث عثر على حوالي 70 قطعة عظمية بشرية دُفنت في هذه المغارة ولم تترك في البرية أو السهول.
و في التسعينيات من القرن العشرين عُثر على هيكل عظمي لطفل عمره سنتان وطوله 82 سم، حيث دُفن في حفرة مستلقياً على ظهره وكانت يداه ممدودتان وقدماه مثنيتان، وتحت رأسه بلاطة حجرية وكذلك على صدره فوق القلب. يؤرخ هذا الطفل بحدود 100 ألف سنة. كما عثر عام 1997 على هيكل عظمي آخر لطفل ثان عمره سنتان أيضاً.
إن طرق الدفن المتبعة في هذا الموقع تدل على ظهور وعي لدى الإنسان آنذاك لضرورة العناية بالموتى وفق شعائر وطقوس معينة.
ثم سوف تكرّ سبّحة الاكتشافات الأثرية، حيث نشهد طقوس دفن متقدمة في فلسطين في مغارة قفزة، حيث عُثر على 12 هيكلاً عظمياً تؤرخ بحدود 50 ألف سنة، ويتميز هذا الموقع بالعثور على قبر امرأة شابة مستلقية على جنبها الأيسر ومثنية الرجلين، وإلى جانبها طفلها الواضع رأسه على صدرها، في حين كان بين يديه غزال يعطي دلالة على رمزية الخصب والحياة.9
و في الرافدين عثر في موقع كهف شانيدار على هيكل عظمي لرجل في الأربعين من عمره.يؤرخ في حدود 60 ألف سنة.
ونتيجة البحث العلمي تبين أنه كان يعاني منذ طفولته من شلل نصفي بالإضافة إلى أنه أعور، ويعاني من التهاب في المفاصل، ويبدو أنه توفي في شهر حزيران.
والطريف في الأمر هنا أن الذي سبّب موته هو سقوط صخرة من سقف الكهف عليه، وتبين أن الورود نُثرت حول جثته.10
إن الدلائل التي قدمتها لنا المعطيات الآثارية لهذه المواقع، تشير إلى أننا أمام حالة شعائرية وطقسية تم عبرها دفن الموت وسط تطور متبدٍ في البنية الدماغية التي انعكست على إنسان تلك المرحلة، وهذا ما يؤكد وعي ظاهرة الموت عبر تطور القسم الحوفي من الدماغ لدى الإنسان تبدّت منذ حوالي 100 ألف سنة من الآن، إلا إذا قّدمت الاكتشافات الآثارية معطيات جديدة تُعيد وعي هذه الظاهرة إلى زمن أبكر من ذلك.

ظاهرة الموت في المستوى النفسي لدى الإنسان:
منذ وعى الإنسان في المشرق العربي لظاهرة الموت في حدود 100 ألف عام، انعكس هذا على بُعده النفسي.
فوعي هذه الظاهرة المؤلمة انعكس عليه في المستوى اللا شعوري، حيث صُدم الإنسان بمصيره الحتمي، وهذا ما شكّل انفعالاً في عقله الباطن، ما أدّى إلى تصورات مشحونة بهذا الانفعال تمَّ التعبير عنها في الدراسات النفسية بعقدة التخلي أو النبذ.
و معلوم أن لكل عقدة نفسية لدى الإنسان ضروب تعويضية لا شعورية، تسعى بالإنسان إلى إعادة توازنه، وتتراوح بين الايجابية والسلبية تبعاً للانفعال الذي واكبَ النفس تجاهها.
فهي عقدة الإحباط الانفعالي، عقدة الاستبعاد، وسواس القطيعة وفي صورتها المصعّدة: تصبح هذه العقدة فلسفة في الوجود الإنساني، فالإنسان " مُلقى في هذا العالم " فريسة التخلي وحصر العزلة الذي يتصف بأنه مقضيّ عليه ميتافيزيقياً.11
و على ذلك، فإن ضروب التعويض عن هذه العقدة تتبدى في مستويات عدّة:
المستوى الأول: معاناة من ألم التخلي والفقد بما يؤدي إلى الانكفاء والعزلة في الحياة واجترار الكآبة والاستسلام للموت.
المستوى الثاني: تعذيب الإنسان لنفسه وتحميلها ألواناً من حياة سوداوية كئيبة.
المستوى الثالث: حيث يلجأ الإنسان إلى الحلول الصوفية أو الإيمان بالتقمّص أو التناسخ أو بوجود حياة بعد الموت.
المستوى الرابع: حيث يميل الإنسان إلى الانتحار ورفض الحياة وربما تنتابه نوازع عدوانية وسادية.
المستوى الخامس: أن يتزن الإنسان وفق المبدأ الرواقي حيث القبول بالموت والعمل في الحياة كأن الإنسان خالد، واعتبار الموت جزءاً من الحياة.
الجدير ذكره هنا هو أن الأديان السماوية جاءت بحلول لهذه العقدة وضروب تعويضية صالحت الإنسان مع الموت، عبر وجود حياة بعد الموت يُحاسب فيها الإنسان من قبل الرب على أفعاله في الحياة، فقدمتْ علاجاً نفسياً لموضوع يؤرق الإنسان منذ وعيه لظاهرة الموت من جهة أولى، وخلقت معادلاً موضوعياً لهذا الأمر يتجلى في إتباع قواعد أخلاقية ومناقبية في الحياة للفوز بعالم ما بعد الموت في منحاه الإيجابي.
الجذور التاريخية للمعتقدات الشعبية حول الموت:
إن الأساس في استمرارية الذهنية الشعبية لظاهرة الموت يتبدى في وجود استمرارية حضارية، وتواصل حضاري بشري، وهذا محقق في المشرق العربي منذ مليون سنة، حيث أن هناك استمرارية وتواصل حضاري عبر العصور منذ ما قبل التاريخ إلى الآن، وهذه الاستمرارية استندت على عوامل تفاعلية، إن كان لجهة التفاعل مع البيئة الطبيعية والمجال الحيوي أو لجهة تفاعل البيئة الاجتماعية بمكوناتها المتجددة عبر العصور والتي انصهرت في معظمها ضمن بوتقة المنظومة الحضارية للمشرق العربي.
و هنا سوف نأخذ بعض المعتقدات الشعبية والحكم والأمثال التي مازالت مستمرة في مجتمعنا المشرقي، ونقاربها مع ما كان سائداً في العصور الموغلة في القدم، وهذه المقاربة تستند على قاعدة في علم النفس التحليلي يشير إليها كارل غوستاف يونغ بقوله:" كل إنسان متمدن، مهما بلغت درجة وعي نموه، لم يزل إنساناً قديماً في الطبقات السفلى من كيانه النفسي، وكما أن الجسم البشري يوصلنا بالثدييات وكشف لنا عن بقايا كثيرة من مراحل تطور أولية ترجع إلى عصور الزواحف، فكذلك النفس البشرية التي هي نتاج تطور إن تتبعنا أصوله، تكشف لنا عن عدد لا حصر له من السمات القديمة "12

رهبة الموت وظهور الأرواح:
جاء في كتاب " المعتقدات الشعبية في التراث العربي ": ( يعتبر الموت العادي في التراث الشعبي بشكل عام، فاجعة للناس، قاطعاً لحبل الرباط بين الإنسان وأهله، ونظراً لما له من أهمية فقد كثرت حوله المعتقدات منذ اللحظة الأولى التي يشعر فيها الناس بأمر الموت وحتى ما بعد الدفن بأيام وأسابيع وسنين. وتتنوع المعتقدات المتعلقة بالموت في مضمونها، فنرى منها ما يدخل في باب التشاؤم، ومنها ما يدخل ضمن دائرة الأحاسيس الإنسانية، وبعضها يدخل ضمن دائرة التصورات الميتافيزيقية، دينية وغير دينية.. )13.
شعائر الموت في المعتقد الشعبي المشرقي وجذورها التاريخية:

إلى الآن يسعى المشرقيون في طقوس الدفن إلى إحداث حفرة صغيرة عند الشاهدة أو ترك تربة رملية فوق القبر، غايتها صبّ الماء حين زيارة القبر، وزرع النبات الأخضر الدائم الخضرة، ولعل الاعتقاد الآن لدى مجمل الناس أن هذا يرطّب القبر لا أكثر.
ولكن بالرجوع إلى وثائق المشرق العربي المسمارية، وفي مواقع مختلفة نجد أن هذا الطقس يمتد منذ عصور ما قبل التاريخ وتم توثيقه في الكتابات المسمارية منذ خمسة آلاف عام،واستمر مع الزمن. حيث أن تقديم القرابين للموتى من طعام أو ماء أو إقامة الشعائر عليهم في يوم الندب تحميهم من أرواح هؤلاء الموتى وترضي رموز العالم السفلي. نقرأ في احدىالوثائق:" أن الأشباح الشريرة تخرج من القبر من أجل الحصول على الطعام والماء "14و إحدى الوثائق أيضاً تشير إلى إنسان كان يعاني من مرض وحسب اعتقاده أن شبحاً يلازمه من أرواح الموتى حيث يخاطبه: " سواء كنت شبح شخص غير مدفون، أو كنت شبحاً لم يلق عناية لائقة، أو شبح الميت الذي لم تقدم له القرابين الجنائزية أو الذي لم يسكب له الماء.."1و هنا تحيلنا وثائق المشرق العربي القديم إلى عدة أنواع من الشعائر الجنائزية التي كانت تقام لعدة أهداف أهمها:
1- إرضاء الإله وبذا يضمن الناس حسن تعامل الإله مع روح الميت.
2- إرضاء روح الميت حتى لا تضطرب وتعود بهيئة شبح يبعث الرعب والفساد في الأحياء.
و كانت الشعائر تتضمن إقامة وليمة جنائزية على روح الميت لغاية خير المجتمع وهذا ما استمر في معتقداتنا الشعبية في ذبح الخراف وتوزيعها على الفقراء كرمى لروح الميت.
كانت الوليمة الجنائزية يطلق عليها بالأكادية / كسبا كسابو / حيث تصفّ المقاعد حول الأطعمة القربانية / لحوم الخراف – أنواع الفواكه – المشروبات / ويترك مقعد فارغ لروح الميت الذي أقيمت الوليمة لأجله، وكان هذا المقعد يسمى:" كرسي الروح " وبالأكادية: kussu etemme .16
أيضاً هناك نوع من الشعائر الجنائزية كان يطلق عليه اسم " مي نقو.. بالأكادية "، ومعناه بالعربية، ماء نقي. حيث يتم سكب الماء في القبر.
و هناك نوع آخر هو " شم زكارو "، وبالعربية " ذكر الاسم "، حيث يقصد به إحياء ذكر الميت في عالم الأحياء، إن كان في ذكرى الأربعين / والتي تعود جذورها إلى التقاليد المصرية القديمة / أو في ذكراه السنوية.
كذلك في إطلاق اسم الميت على أول مولود يأتي للعائلة كنوع من تخليد ذكر الميت.17
و لعل حرمان الميت من هذه الشعائر يؤدي إلى صعود روحه بهيئة شبح مسيء للأحياء.
و تذكر نصوص الملك الآشوري " آشور بانيبال " أنه انتقم من الملوك العيلاميين الموتى حيث أخرج عظامهم من قبورهم، " لقد أقلقت راحة أرواحهم، إذ حرمتهم من القرابين الجنائزية وسكب الماء.. "18
إن ما استمر من هذه الاعتقادات حول أرواح الموتى المحرومة من العناية اللائقة عبر الشعائر الجنائزية ظهر في المعتقد الشعبي المشرقي بلبوس الجن أو الجان.
فحسب هذه المعتقدات " تعتبر الجان مؤذية وشريرة تجلب النحس والمرض والرعب وتعتبر مخلوقات غيبية، غير مادية، من غير طبيعة البشر وغير طبيعة الملائكة "19.
و تشير بعض الدراسات إلى أن هذه الكائنات ربما كانت امتداداً للخيال الشعبي من أرواح الموتى أو الموتى أنفسهم، ذلك لأنها توجد في باطن الأرض عادة ولأنها تضطر للعودة إلى مقرها قبل طلوع الفجر "20.
و يبدو أن الجان أو الجن اقترن وجودها مع الموتى في باطن الأرض في معظم المعتقدات الشعبية في العالم.
و هذا ما يدفعنا إلى دراسة العالم السفلي في تراثنا المشرقي.
حفلت اللغة الأكادية بعدة أوصاف للعالم السفلي وبمعان مختلفة، فهو:
قبرو qabru أي قبر
أرصيتو شبليتو أي الأرض السفلى.
أرصيتو ميتوتي أي أرض الموتى.
خربو أي الخربة.
كان هناك في المعتقد المشرقي القديم اعتقاد أن العالم السفلي تسكنه شياطين أو جان، على أنواع عدة، منها ما هو سماوي ومنها ذو أصل بشري كأرواح الموتى، وهناك من كان أصله من العالم السفلي، ويبدو أن هذا الأخير يتصل بتصور المجتمعات الحالية عن عزرائيل وقد جاء وصفه في إحدى الوثائق:
" عبر الأسوار العالية السميكة، يمرّون كالطوفان، يمرون من بيت لبيت، لا يمنعهم باب ولا يصدهم مزلاج، فهم ينسلون عبر الباب كانسلال الأفاعي، ويمرقون من فتحته كالريح، ينتزعون الزوجة من حضن زوجها، ويختطفون الطفل من على ركبتي أبيه ويأخذون الرجل من بين أسرته "21
و لعل أوضح وصف لعزرائيل في الكتابات المشرقية القديمة ما ورد في ملحمة جلجامش على لسان أنكيدو في وصفه لحالة موته:
" كانت السماء ترعد فاستجابت لها الأرض، وكنت واقفاً وحدي فظهر أمامي مخلوق مخيف مكفهر الوجه... لقد عرّاني من لباسي وأمسك بي بمخالبه وأخذ بخناقي حتى خمدت أنفاسي.. أمسك بي وقادني إلى دار الظلمة.. إلى البيت الذي لا يرجع منه من دخله.. إلى البيت الذي حرم ساكنوه من النور.. ويعيشون في ظلام لا يرون نوراً ".22
الجدير بالذكر أن مواعيد إقامة الشعائر الجنائزية كانت تتم قديماً بشكلين: شهري وسنوي، فالأول يُقام في التاسع والعشرين من الشهر، وهو اليوم الذي يكون فيه القمر محاقاً، حيث كان الاعتقاد أن فيه تتجمع أرواح الموتى مما يدفع الأحياء لتقديم القرابين وإقامة الشعائر.
وقد أُطلق على هذا اليوم اسم "يوم القرابين الجنائزية، يوم سكب الماء " 23عليه نعوت عديدة منها " يوم وليمة الموتى " و" يوم الكآبة " و" يوم الندب ".
أما الموعد السنوي فكان يتم في شهر آب حيث تبلغ الطقوس ذروتها في اليوم التاسع منه حيث الاعتقاد أن أرواح الموتى تنعتق من احتجازها في العالم السفلي. 24
و في المقابل نجد في المعتقدات الشعبية المعاصرة أن هناك ما يسمى \خميس الأموات \، حيث يتم إقامة الشعائر الجنائزية بذكرى الموتى فيذهب الناس لزيارة القبور حاملين الأطعمة والماء، ويذهب الفقراء أيضاً ليحصلوا على ما يوزعه أقارب الموتى من طعام. ويعتقد الناس أن الطعام الذي يصل إلى الفقراء يصل إلى أرواح الموتى.25
و يشير ألكزندركراب في كتابه " عالم الفلكلور "، إلى أن الناس يحرصون على زيارة القبر في الأسبوع الأول من موت الشخص حيث تشرب على قبره القهوة وتقام الطقوس الدينية وتوزع الحلوى، وهذا حسب اعتقادهم رحمة للميت ودفع بلاء عن الأحياء من أهله وعياله وهم يذهبون لزيارة القبور بعد شروق الشمس وذلك لاعتقادهم بأن أرواح الموتى تختفي بعد الشروق.
كما يشير إلى استرضاء الموتى عن طريق تناول الطعام عند قبورهم.
وهناك عادة وثيقة الصلة بهذه الممارسات وهي إعطاء الميت قطعة من النقود أو وضع هذه القطعة في فمه وهذه العادة كانت شائعة في حضارات المتوسط في العصور القديمة.26
و لقطعة النقود هذه أساس قديم في المشرق العربي فقد كان اعتقادهم أن الإنسان حين يموت ويوضع في القبر فسوف يعبر " نهر عبر " إلى العالم الأسفل،و هذا يتطلب إعطاء صاحب المركب النقود أو الفضة لأجل ذلك، لا بل إن بعض القبور حوت في مرفقاتها الجنائزية على لقى جنائزية بشكل مراكب قد يستعين بها الميت في عبور النهر باتجاه العالم السفلي.

مناقشات في وصف حال الميت:

إلى الآن ووفق المعتقد الشعبي المشرقي نسمع أن الإنسان إذا كان يحتضر يُقال أن " نجمهُ غاص "، ولا أعتقد أن الإنسان الحالي يعي معنى هذا الوصف، غير أننا وثائق المشرق العربي القديم وفي مواقع مدنه المختلفة تعطينا الجواب.
ففي الألف الثاني / وربما الثالث ؟ / قبل الميلاد، نشط البابليون ومن ثم الكلدانيون في حقل الفلك والدراسات الكونية، وتشير وثائق تلك العصور إلى أن لكل إنسان نجماً في السماء يخصهُ فإن أفلَ النجم مات صاحبه.
فالاعتقاد بالنجوم كان يلعب دوراً مهماً في حياة الناس، وثمة اعتقاد آخر بأن لكل إنسان برجاً خاصاً، يتحكم بمجرى حياته، وإن علاقة هذا البرج مع غيره يسبب لصاحبه الخير أو الشر.
و يشير قاموس الكتاب المقدس إلى أن " الكواكب تسيطر على حياة الإنسان، وهذا إيمان موروث من عبادة النجوم زمن الكلدانيين حيث ترعرعت أعظم حضارة فلكية ونشأ معتقد عبادة الأجرام السماوية.27
و يشير الدكتور ابراهيم بدران والدكتورة سلوى الخماش إلى أن البابليين والكلدانيين كانوا من أوائل من اهتم بمراقبة الأجرام السماوية أثناء ترحالهم، مما تولد عنه مع الزمن الخرافة القائلة بأن حركة الأجرام تتحكم في حياة الإنسان وأن مستقبله يتحدد بالنجم الصاعد ساعة ميلاده والنجم الهابط في ذلك الوقت أيضاً " 28
أيضاً ثمة قول لوصف من مات في المعتقد الشعبي حيث يقال: سقطتْ ورقتهُ.. وهذا القول يعود إلى اعتقاد قديم يقول، إن الشجرة التي إلى يمين العرش الإلهي ذات الأغصان الكثيفة والأوراق الخضراء الزاهية تضم كل أسماء البشر، فإذا ولد المرء ظهرت ورقته على تلك الشجرة، وإن مرض مال لونها إلى الاصفرار وإذا ما شفي عادت للاخضرار.. وإن أوشك على الموت اصفرت ورقته وحين يموت.. تجف وتسقط مغادرة شجرتها الأم. 29
و ثمة قول آخر عن الميت في الاعتقاد الشعبي حيث يقال: " خلصت ميتو " أي انتهت مياهه،و معلوم أنه في المعتقد الشعبي يتم تنقيط الماء في فم الإنسان المحتضر حتى يبقى ريقه رطباً، وهذا يرتبط برمزية الماء في الحضارة الشرقية والتي هي رمزية خصبة نقيض حالة الموت وهذا ما يستتبع أيضاً إجراء طقس سكب الماء في قبر المتوفي.
الجماجم المقولبة قديماً.. الصور الشخصية حديثاً:

الإنسان المعاصر يضع الآن صورة المتوفى العزيز عليه على الحائط لاستمرار تذكره ونوع من دواعي بقائه بين الأحياء أو بالأحرى تمنّي بقاء ذكره.
و هذه المشاعر الإنسانية النبيلة نجد أصداء لها منذ بواكير الحضارة الإنسانية ولكن الأسلوب الفني المُتبع مختلف.
فبالعودة إلى المشرق العربي القديم ومع زمن ابتكار الزراعة في الألف التاسع قبل الميلاد، نجد أنفسنا أمام ظاهرة أُطلق عليها اسم الأرواحية أو تقديس الأجداد، حيث يصار إلى فصل جمجمة الميت عن جسده، وتوضع على جدار المنزل لاعتبارات عقائدية، وهذا ما عثر عليه في موقع المريبط في سوريا وموقع أريحا في فلسطين. 30
و في خطوة لاحقة متطورة عن الأولى، أصبح الإنسان يعالج هذه الجماجم كنوع من التعويض في المستوى النفسي الجمعي، حيث نشأ ما يسمى بالجماجم المقولبة، إذ كانوا يعيدون تشكيل الجمجمة بالجص، ويتم صبغها بما يماثل لون بشرة الإنسان، ثم تُنزّل العيون بالصدف أو القواقع ويرسم على الجمجمة خيوط بنية كدلالة على شعر الرأس.
و قد عُثر على هذه الجماجم المقولبة في مواقع عدة في أريحا وبيسامون ووادي حمار وفي تل الرماد. 31

شباط: شهر الندب

إلى الآن، يُعتبر شهر شباط شهر الأموات في المعتقد الشعبي المشرقي.
و علمياً، فنحن نعتقد أن هذا الشهر الذي يوصف بأنه " لبّاط " و" مالو رباط " هو شهر التغييرات وعدم استقرار الفعالية الجوية والطقسية وكونه بعد شهرين شتويين فاعلين هما كانون الأول وكانون الثاني، فإن أجسام الكهول والعجائز تتعب ويحين موعد قطاف أرواحها في شهر شباط.
وحتى الأن، مازال كبار السن في الساحل السوري يتهيبون حضور شهر شباط، لهذا فهم يلزمون بيوتهم طيلة الشهر خوفا من الموت، وحين يرحل الشهر يخرجون من بيوتهم وهم يتمازحون بالقول: راح شباط وحطينا
في........مخباط. ويبدو أن هذا الأمر كان سائداً منذ العصور القديمة بما يعود إلى حوالي الألف الثالث قبل الميلاد، إن لم يكن قبل ذلك. وكان شهر شباط في الوثائق المسمارية يسمى ( شهر نهر عبر ) وشهر الندب، الجدير ذكره هنا هم أن أحوال المناخ في منطقة الهلال الخصيب لم تشهد تغييرات حاسمة منذ الألاف الثالث قبل الميلاد.
و ثمة أدلة تاريخية تشير إلى أن شواهد القبور هي ابتكار آرامي بامتياز، ففي موقع شمأل في شمال سوريا عُثر على شاهدة قبر ارتفاعها متر ونصف تشتمل على رسومات فنية يُعتقد أنها تختص بحياة العالم السفلي.32

ملاحظات عامة حول المعتقدات الشعبية في الموت:

لا يبدو القبر في المعتقد الشعبي مكاناً أنيساً للأحياء، وإن ضم في داخله ميتاً عزيزاً، لذا فإن ثمة عادات ارتبطت بالقبر واستخدامه في الحياة الشعبية واليومية، فمثلاً: إذا كان رجل حاقداً على أحد، فليس عليه سوى أن يذهب إلى أحد القبور، ويأخذ حفنة من ترابه ويذروها على راس عدوه يوم زفافه، وهذا بحسب الاعتقاد الشعبي سوف يجعل الإنسان ميتاً تماماً، حيث ينتقل الموت من أموات المقابر إلى الشخص الحي مما سيرديه ميتاً. 33
كما ترى المعتقدات الشعبية أن العبث بالقبور وهدمها أو محاولة إزالتها / لاسيما للرجال الصالحين / سوف يؤدي إلى هلاك المعتدي على حرمة هذه القبور وشلله إلا إذا قدّم أضحية بذبح شاة وتقديمها للفقراء.
و هذا باعتقادنا هو ترجيع لما ذكرته النقوش المسمارية حيث نقرأ:
" من يحطم ألواحي التذكارية.. عسى الإله أن ينسف بلاده بصاعقة مهلكة ويحلّ المجاعة والقحط والعوز والفيضان ببلاده، عساه ألا يدعه يوماً واحداً على قيد الحياة.. عساه يحطم اسمه وذريته إلى الأبد " 34

و لعلنا نلاحظ الآن أن ما يميز الشعائر الجنائزية قديماً وحديثاً ثلاثة أشياء:
أولها: سكب الماء وهو طقس موغل في القدم.
ثانيها: تقديم الطعام والذبائح كقرابين جنائزية على روح الميت. وهو طقس أيضاً موغل في القدم.
ثالثها: وضع الأغصان الخضراء والآس وأسعف النخيل والورود على قبر المتوفي باعتقاد أنها ترطب جو القبر الموحش والجاف.
و نحن نعلم رمزية اللون الأخضر في أنه رمز للخصب والحياة والربيع، حتى أن الاعتقاد الشعبي يصف العروس أثناء زفافها إذا نزل المطر بأن " إجرها خضرا " أي قدمها خضراء في دلالة على الحياة والخصب.
و تستخدم أفرع شجرة النخيل في مواكب الدفن، وعند زيارة القبور وفي تزيين المقابر.
و تجمع الدراسات أن شجرة النخيل عند الفينيقيين كانت شجرة الحياة لا بل وتمَّ توحيدها مع جنة عدن في ذهنيتهم ومع رمز الخصب عشتار، كما أن هذه الشجرة كانت شجرة العائلة لدى شعوب مصر والهلال الخصيب والجزيرة العربية.
و تشير المعطيات إلى أن العرب قبل الإسلام عبدوا شجرة النخيل حيث كان في نجران شجرة يقام لها عيد سنوي. 35
و تتضح رمزية شجرة النخيل في المستوى الثقافي والأنثربولوجي في علاقتها بالموت ثم الانبعاث أو بتوالي الولادة والاستمرار.
و قد أطلق على النخلة اسم العنقاء باعتبارها إذا ما سقطت بسبب الشيخوخة فلسوف تنمو من جديد خضراء يانعة كما كانت. وتذكر أساطير بعلبك أن طائر الفينيق أو طائر النخيل كان يحجّ إلى هليوبوليس أو بعلبك ليموت فيها ثم يعاود الحياة من جديد.( 36)
إن هذا الاعتقاد ضمن الذهنية المشرقية يشكّل كما أسلفنا تعويضاً عن حتمية الموت عبر الموت والانبعاث الذي يشكّل رائزاً من روائز الثقافة الزراعية.

في بعض المأثورات والقوال الشعبية حول الموت:

تحفل الذهنية الشعبية في الهلال الخصيب بشتى المأثورات والأقوال والحكم والأمثال عن الموت وعالمه، منها ما يستمد جذوره من الماضي ومنها ما هو مستحدث.
فهناك مَثَلٌ يقول: " مَن خلّف ما مات " بمعنى من له أولاد لم يمت لأنه مستمر بهم.
و هذا نجد جذوره في ملحمة جلجامش حين سأل جلجامش إنكيدو / اللوح الثاني عشر / عن مصير من له ابن واحد أو اثنان.. وهكذا، حيث يبدو أن مصير الميت جميل إن كان له أبناء كثر. 37
" من غير هاليوم " أي من غير هذا اليوم:
تقال في معرض التحدث عن شخص متوفي وحين يرد ذكر الميت يقال من غير هاليوم، لئلا يموت الرجل المُخاطَب.
" فوق الموتة عصّة القبر " أي فوق الموت ضيق القبر، وتطلق على من تكثر في حياته المصاعب ولا يستطيع الانفكاك منها، حيث تمّ استعارة هذه الصورة من عالم الموت.
و أطلق على الموت تعبير: ساعة الغفلة.. وموت أحمر، تعبير عن الموت الدموي.
و في باب الحكمة نقرأ: " بني آدم ما بملّي عينو غير التراب " وهذا يقال في وصف الانسان الطماع بالحياة ومتاعها. و" ما حدا آخد معو شي ".
إن هذه المقارنة تعتبر مدخلاً لدراسة أشمل وأعمق حول ظاهرة الموت في المعتقد الشعبي العربي بعامة والمشرقي بخاصة..
و لعل ما يمكننا التوصل إليه من بحثنا هو إن الموت حتمي على البشر وقدرنا أن نحيا حياة تليق بعبورنا إلى الحقيقة السامية.. المُطلقة في آن.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://turathmo5ayam.yoo7.com
 
الموت ومعتقداته الشعبية في بلاد الشا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  214- أحلى بلاد
» الرقية الشعبية
» الطبابة الشعبية
» اعتقادات الموت
» عراق الموت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات سنجل الباسلة :: 
سنجل الباسلة
 :: نصوص ومقالات تراثيــة
-
انتقل الى: