الغريبة
بقلم الداعي بالخير
صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
الغريبة تعبير يقال للمرأة التي تتزوج خارج اطار الأسرة والقرية ، ولكنها غربة أخف من غربة...!!
والغربة هنا تنقسم الى قسمين ، ما هو محمود و ما هو مذموم ، فالمحمود زواج البنت خارج العائلة ، وهو ما يعرف بتغريب النكاح ، حتى لا تتوارث العائلة أمراضها ويضعف نسلها ، وقد حث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على تغريب النكاح لِحِكَم نعرف بعضها وأخرى علمها عند الله ورسوله ، يكتشفها العلم يوما بعد يوم إلى ما شاء الله تعالى ....!!!
والتغريب هو ان يأتي عريس للبنت من قرية أخرى أو مدينة مجاورة ، مع أن التصاهر بين القرويين والمدنيين كان نادرا جدا لنعومة أهل المدن وعدم تحملهم شظف عيش أهل الريف وجلدهم على العمل ، وكانت المرأة الريفية تعيش حياة في غاية التعب والشقاء وكثرة الأنجاب ، وهذا ما لم تكن المدنية تقدر عليه في ذلك الزمان ...!!!
وعندما كان يتم النصيب ويتزوج العروسان يندرج الزواج في الغربة الأوسع من غربتها في قريتها ، في حامولة أخرى ، وكان لذلك الزواج فوائد أخرى غير تغريب النكاح ، فهو يؤدي إلى نتائج جيدة منها : مد الجسور الطيبة مع القرى المجاورة احتراما للنسب والمصاهرة ، حيث يتم اختلاط للدم ، فيقلص المشاكل والخلافات التي كانت تقوم بين القرى لإثبات الزعامات والسيطرة في ظل النظام الأقطاعي الذي كان سائدا ، وخلف كثيرا من السلبيات على العلاقات بين الناس ، فالمصاهرة كانت تحل الوئام بدل الخصام ، وتمد جسور المحبة بين الأطراف ، وخصوصا بعد الأنجاب وظهور أجيال جديدة من الأبناء الذين يشرّفون العمومة والخؤولة على السواء ، فيقوم هؤلاء الأبناء ببناء علاقات قوية بين أهالي القرى المتصاهرة ، سيما أن نسب الأبن لأهل أبيه ، وطباعه وخصاله لأهل أمه ، ذلك لأن (ثلثين الولد للخال) ، ولأن (الخال طوبار) ، وهذه الصفات ليس للإنسان علاقة في تكوينها ، لأنها فطرة ....!!!!
والحديث في تفاصيل هذه الأمور يطول ، ورغم كل الفوائد المحمودة التي سقناها في هذا الحديث ، إلا أن البعض وخصوصا الشباب كان يعتبر هذا الزواج تحديا للقرية وشبابها ، وخصوصا إذا كانت الفتاة جميلة ، فالأَولى بها أبناء عمومتها ، لأن (ابن العم بنزّل عن الفرس) ، ولا تنجو من تنزيلها عن الفرس إلا إذا دخل بها العريس ، وانتهت الأمور ....!!!!!!
وكانت الغربة صعبة على العروس وعلى أهلها ، إذا ما عرفنا عن انعدام الأمن وصعوبة المواصلات وغيرها ، وكانت تقال بكائيات عند خروجها إلى عالمها الجديد ، وكان الأتراك يعفون زوج الغريبة من التجنيد الأجباري ، وهذا كان ينعش زواج الغريبات ، لا يتسع المجال لذكرها ونشر نماذج منها...!!!
أما الوجدان الشعبي فكان يحث دائما على عدم حصول زواج الغريبات إلى قرى أخرى ، وقيل (يا بن العم لا توخذ غريبه ، زيوان بلادنا ولا قمح الصليبه) ، والزيوان ، أو (الزوان) عشب ينبت بين سنابل القمح ، يخرج سنابلا ضعيفة وصغيرة ، مُرّة المذاق ، وهذا الزيوان أفضل من القمح البلدي المستورد الذي لم يزرع في أرضنا ، وليس فيه رائحة عرق الأنسان القروي ..!!
وعندما تخرج فتاة جميلة من القرية إلى قرية عريسها ، كانت تحدث أحداثا دامية بين أهل قريتها ورجال الفاردة ، أو تتم بعض الشروط مثل (شاة الشباب) وهي ذبيحة تذبح وتقدم غداء للشباب للسماح لبنت قريتهم للخروج بسلام ، أو ثمنها نقدأ ، وكان البعض يطلب شاة للكلاب ، على أساس ترضية كلاب القرية أيضا ، وبعضهم يطلب طلبا يفعله أهل العريس لا يستطيع فعله أهل العروس ، ويروي شيخ الأدب الشعبي اللبناني سلام الراسي الحكاية التالية:
{واحد من بلدنا حب صبيه من قرية المكر.. ويومت العرس فزعت البلد كلها معه عشان يروحوا ع المكر يجيبوا العروس.. لمن قروا الفاتحة وعقدوا العقد.. طّلعوا العروس بمحوربه تيوصلوا للباص والسيارات القليلة اللي كانت معهن تيهودوا ع البلد..
ما حسوا إلا وشباب البلد معترضين الطريق.. قال شو.. لازم العريس يحط العادة.. يعني طالعه غريبة.. شباب البلد داير مندار.. عشان يوافقوا على طلعتها لازم يحطوا اهل العريس العاده.. يعني إكرامية للشباب من جيبة العريس أو انه حدا من جماعة العريس يعمل شغله, شباب البلد ما يقدروا عليها.
ويا عيني عليك يا سيدي صالح.. عمرك ستين سنه وبعدك شب. أتطلع سيدي صالح حاوليه لاقى حمار بحد الدار اللي بجنب دار العروس, والدار ألها درج للسقف.. قام سيدي صالح حط حالوا تحت الحمار, حمله على كتافه وطلعوا فيه على سطح الدار.. دشروا فوق ونزل.. قال لشباب المكر.. إحنا طالعنا الحمار ع السطح.. أتفضلوا نزلوا واطلبوا شو ما بدكوا.. قاموا الشباب اتفرعطوا كل واحده لناحه.
تقدم شيخ البلد من أهل العريس وسلم على سيدي صالح وقاله
- العروس مبروكه وانتوا قدها.. بس اعمل معروف ما بنزل الحمار عن السطح غير اللي طلّعو.}
قلنا ان هاتين الغربتين غربتان محمودتان فمنهما تحصل فائدة ، بل فوائد ، بغض النظر عمّا قلنا ونقلنا عن الماضي .....
أما الغربة المذمومة فتتعلق بالرجل أكثر من المرأة ، أي الذي يأتي بالغريبة ، كأن يتزوج أحدهم من أجنبية غريبة عنه بدمها ولحمها ولسانها ومعتقدها ، وما إلى ذلك ....!!!
فكم رأيت من أولاد العرب لا ينطقون الضاد ، ومن بنات العرب التائهات ، أتى بهم التائهون اللاهثون وراء الحضارة الغربية ، فبنوا خارج بلادهم ، ومثلنا الشعبي يقول : (يا باني في غير بلادك ، لا إلك ولا لولادك)....!!!
هذه الغربة التي بترت هؤلاء الأبناء وألقت بهم في خِضَم حضارة ثائرة هائجة مائجة ، لا يدرون على أي شواطيء ستلقي بهم جثثا ورمما وجيفا أنتنت ...!!!!
فتبا لتلك الغربة ولأولئك المغربين الذين تاهوا وأخذوا أولادهم بين أقدامهم....!!!!
