سَقط الصلاة
صور تراثيه شعبية من وحي القرية القديمة
بقلم الداعي بالخير : صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
قد يكون العنوان غريبا ، ولكنه جزء من ذاكرة الماضي ، وكان يمارسه إمام المسجد (شيخ الجامع)، وعلينا أن ننوه أن إمام المسجد في ذلك الزمان ، كان قد تعلم بعض مبادئ الدين بنفسه ، أو بواسطة كتيب كان يتهجأ حروفه وكلماته دون أن يعرف بعض المعاني ، ولا يعرف الأصيل من الدخيل ، ويخلط النص الديني بالنص الخرافي ، بالعادات والتقاليد ، والأسطورة بالخرافة ، يخلط الملح بالسكر ، معتقدا بوحدة اللون ...!!!
ومع اختلاط العقيدة بالخرافة ، أختلط الحق بالباطل ، وكل ما حدث نتيجة طبيعية لعصور الظلام والتجهيل التي مرّت بها الأمة منذ الإتحاد والترقي التركي ، والذي قاده يهود الدونمة ، وأدى إلى إلغاء الخلافة الإسلامية،إلى الانتداب الإنجليزي الذي هيأ الوطن للاغتصاب وتسليم فلسطين غنيمة باردة لليهود ...!!!
في ظل هذه الظروف نبت الجهل وأطل برأسه كالأفعى ، وماد كالطوفان ، وظهرت أشياء التصقت بالدين ، والدين منها براء ، ومن هذه الأشياء (سَقّط الصلاة) ...!!!
وسقط الصلاة هو إنزال فرض الصلاة عن الميت بعد موته بواسطة طقوس شيطانية ، وما بين عاميّ 1961 أو 1962م ، كان عمري بين 8 ـ 9 سنوات ، وقد شاهدت طقسا لسقط الصلاة بقي مختزنا في ذاكرتي ، أنقله وقد يكون أول نقل له ، حيث لم أصادف حديثا أو أقرأ مكتوبا عن هذا الطقس وقد حدث :ـ
كان المتوفى شيخا هرما تجاوز الثمانين ، لم يركع في حياته ركعة واحدة ، ولم تتمرغ جبهته لله تعالى قط ، ولخوف ذويه من مصير السوء الذي سعى إليه من خلال عمره الرذيل ، البعيد عن الله ، وهو مرتمي بين أحضان الشيطان الرجيم ، قاموا بذبح ذبيحة ، وأعدوا وليمة ، ودعوا شيخ الجامع الذي كان يمارس هذه الخرافة ، وكتابة الحُجُب ، والتقسيم على الموس ، وكتابة الحروف المتقطعة والكلمات المبهمة الغامضة ، وغير ذلك من خرافات القرية الأخرى!!
وقام أهل البيت بجمع صرة من الذهب من أهل الحي،ووضعت صرة الذهب أمام الشيخ ، وبعض الرجال الذين تحلقوا حولها ، وكان سبب حضرهم الأول وجود الوليمة وطمعا بعشاء دسم من لحم الخروف وليته الدسمة التي تعوض الجسم بالطاقة لزمن قادم قد يطول وقد يقصر ، حسب مناسبات الموت في القرية ، لأن الأعراس محكومة بالموسم ، في زمن كان اللحم ترفا ، يؤتى به في الأعياد والمناسبات ...!!
ثم بدأ الشيخ يتلو من المصحف آيات قرآنية ، والحضور يردون من وراءه لوقت ما ، ثم صاروا يقرأون القرآن الكريم بسرهم ، وفائدة القراءة الصامتة ، لا يستطع احد استطلاع أخطائهم ، مع أنهم في الجهل سواسية ، ثم أغلق الشيخ المصحف وهو يردد (صدق الله العظيم ، وصدق رسوله الكريم ) ودعا للميت ، وطلب من الحضور أن يؤمنوا على الدعاء ، وبعد أن دعا وأمّنوا قرأوا الفاتحة على روح المرحوم ، ثم أمسك صرة الذهب وضمها إلى صدره وكأنه يُسْمِعُها دقات قلبه ، وطلب منهم أن يهبوه الذهب ، فقال أحدهم : قد وهبناك إياه ، فرد وهو يناولهم الصرة ، وأنا قد وهبتكم إياه ، وطلب أن يعيدوا الذهب إلى أصحابه كما تقتضي تلك الطقوس الشيطانية ، وأخبرهم أنه ومن هذه اللحظة قد سقط فرض الصلاة عن المتوفى ، وهو الآن ينعم في جنات النعيم ، وكأنه لم يتخلف عن فرض ولا نافلة واحدة طوال عمره ، ثم طلب المفيد ، وهو إنزال الطعام الذي كانت رائحته الزكية تتسلل إلى أنوفهم بلذة لا متناهية ، وأشرقت وجوه أهل الميت بالأمل والخير لذلك الخبر البهي العظيم الذي زفه الشيخ اليهم ...!!!
وبعد ذلك نزلت كرمية (صينية) كبيرة من النحاس يتكوم عليها الفتيت باللبن والأرز واللحم ، فتحلقوا حولها وأكلوا وشبعوا وهم لا يكفون عن الترحم على المرحوم ، والرجاء أن يكون في كل يوم عند جماعة مرحوم يأكلون عن روحه الغالية ....!!!!
وحسب ما أعرف أن هذه الطقوس كانت مكلفة لأهل الميت ، والفقير كان لا يفوز بها ، لذلك كان يحرص على أداء هذه العبادات حيا ، حتى لا يدخل النار ، لأنه لم يترك ميراثا يؤده الورثة من بعده...!!!
كان سقط الصلاة فرجا للناس ، إذ يفوزون بأكلة من الفتيت والأرز واللحم البلدي الطازج ، والسمن البلدي واللوز المقلي في عصر كانت الوجبات من العدس والمجدرة والرقاقة والبحبوثة والحريرة والدحابير ...!!
تلك الصورة لسقط الصلاة ، لا ندري من أين أتت وكيف رسخت في تلك العقول ، وأين عقولهم من رحمة الله ، إذا كان الغني يشتري آخرته بوليمة ، والفقير لا يستطيع ، وكيف يصدقون أن ذلك الغني الجاحد يستوي مع المؤمنين الملتزمين ....!!!
قد تكون صورة سقط الصلاة مستنسخة عن صكوك الغفران البابوية ، أتى بها مبشر أروبي زمان الانتداب البريطاني ، أو زمان تفسخ دولة الخلافة العثمانية ...!!!
الآن زالت تلك الصور الكريهة من مرافق حياة القرويين ، بعد أن أنار الله سبحانه وتعالى عليهم بنور العلم والمعرفة ، وبوجود أئمة وعلماء ودعاة أوفياء للرسالة السمحة ، والحمد لله رب العالمين ...!!