ضيف الضبع
حكاية تراثية من أشبه بالخيال الشعبي
بقلم الداعي بالخير : صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
يحكى أن فلاحا أراد أن يشتري جملا فالتقى بدويا بائع جمال ، فانتقى جملا أعجبه وصار يساوم صاحبه عليه ، ولكن البدوي رفض المساومة بخشونة أدّت إلى أن يتشاجرا ...!!!
ورجع الفلاح إلى قريته ، ووجد البدوي قتيلا ، فاشتبهت قبيلته بذلك الفلاح أنه هو الذي قتله ، وعندما بلغ الفلاح الخبر خاف على نفسه ، وقرر الهرب ...!!!
وحمل بعض الزاد يقتات منه في رحلته المجهولة ...وأثناء رحلته صادف أحد معارفه ، فسأله عن وجهته فقال : بلاد الله واسعة...!!!
ولكن صديقه حذره من المكوث في المدينة ونصحه أن يتوارى لأنه رأى أحد أقارب القتيل يبحث عنه ...!!!
واتجه إلى مدينة أخرى صادف فيها أحد أقاربه فنصحه بالتواري ، لأن أحد أقارب القتيل كان يبحث عنه ...!!!
واتجه إلى اتجاه آخر وهو يترقب ويسأل الله رحمته ، والله يعلم أنه لم يرتكب تلك الجريمة ولا يعلم عنها أي شيء ، وكان مرة ينام تحت شجرة وأخرى في مغارة ، ولا يلبث في مكان حتى يستبدله بمكان آخر ...!!!
ووصل إلى منطقة تسلق بها بطن جبل باحثا عن مغارة تأويه حتى يأذن الله بفرج من عنده ، فوجد مغارة فدخلها ، ولم يلبث حتى سمع أصواتا فحدق بها من خلال الضوء الضعيف ، فرأى جراء ضباع حديثة الولادة ، وأدرك أن أمها ذهبت تبحث لها عن طعام ولن تلبث حتى تعود ، وقد يكون ما لا يحمد عقباه ، ولكنه آثر أن يكون طعاما للضبعة وجراءها من أن يكون ضحية لرصاصة آثمة لجريمة لم يرتكبها ...!!!
ولم يلبث وأن سمع وقع أقدام ، فظن أن أحدا من أهل القتيل يبحث عنه ، فقبع بمكانه حابسا أنفاسه ، ولكن الرجل دخل مباشرة إلى الجراء الصغيرة وصار يتناولها واحدا بعد الآخر ويضعها في كيس معه ، فعلم ذلك الهارب أن الرجل يأخذها ليبيعها في السوق ، أو تكون وجبة على مائدة عامرة ، لأن البعض يحلل الجانب الأيمن من الضبع ، على زعمهم أنه يجتر مرة في السنة ...!!!
نهض الطريد من مكمنه واتجه مسلما على الرجل وتعارفا ، ورجاه أن يعفو عن تلك الصغار ، ولا يفجع أمها بها ، لأنها سوف تتألم إذا ما رجعت ولم تجدها ، وأن الله سبحانه وتعالى سيعوضه بخير منها ...!!
واستجاب الصياد للهارب ووعده أن يذهب مستنشقا الأخبار ويعود له بجواب قريب إن شاء الله.
وخرج الصياد وصار الطريد يلاعب الصغار حينا ، ويتفكر بمأساته حينا آخر ، فإذا بالضبع تدخل المغارة ، وما أن رأته حتى كشّرَت عن أنيابها لتهجم عليه ، ولكن الجراء الصغيرة نظرت إلى أمها وكأنها تطمئنها أن الأمور على خير ما يرام ، وأن الرجل مسالم ، بل وأعادها من كيس الصياد إلى أحضان أمها ، ولم يدعها تحمل لقب ثكلى ...!!!
وهدأت الأم واضطجعت إلى جانبه ، وبدأت الجراء ترضع ، وأمها تلاعبها بحنان ، وقد كانت أعصاب الرجل ملتهبة من الموقف الفريد ، ولكنه اطمأن لِما رأى من التفاهم بين الجراء والأم ، وحديثا بتلك اللغة الصامتة ، وصارت الضبع تقترب منه متوددة إليه ، ثم خرجت فاصطادت أرنبا بريا وألقته أمامه وهو لا يزال حيا ، فأشعل نارا وشواه ، وفي اليوم التالي أتته بسخل فشواه وأطعمها وصغارها منه ....!!!
ومن الغريب أن الضباع لا تأكل إلا الجيف وتطحن عظامها بأسنانه الذي يطحن السانتي متر مربع منه وزن طن ، (ألف كيلو غرام) ، إلا أنها لم تقدم له إلا الحيوانات الأحياء ...!!!
وبقي ضيفا عند الضبع وأولادها حتى عاد الصياد وأخبره أن أهل القتيل وجدوا القاتل ، وتم تقديمه للعدالة ، واصطحبه معه وعاد مطمئنا إلى قريته ، وقد زاره أهل الفقيد واعتذروا له لأنهم تسببوا بفزعه ، وبما حدث له بسبب اتهامهم الظالم له ، وقدموا له هدية من حلالهم قبلها شاكرا ، وحل الوئام مكان الخصام ، والله ولي الصابرين مبرأ البريء ومجازي المجرمين ..!!
