مجلة الفنون الشعبية
بقلم الداعي بالخير : صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
قلما نتصفح كتابا يتحدث بعمومه أو ببعضه عن التراث الشعبي إلا ووجدت مجلة الفنون الشعبية أحد مصادر ذلك الكتاب ...!!!
ومجلة الفنون الشعبية مولودة بهية ، وُلدت هي وأفكار في دائرة الثقافة والفنون ، منذ كانت تابعة لوزارة الإعلام ، في السبعينيات من القرن الماضي ، وماتت اغتيالا لقرار غير مسؤول ، مثلها مثل كل المقتنيات التراثية التي تم تجهيزها زمن وزارة الشريف فواز شرف ، وزير الثقافة الوحيد الذي لا زلنا نذكر اسمه ، وقبل أن تصبح نواة لوزارة الثقافة ، وقبل أن يتم إعدام تلك المجلة الرائدة في طفولتها ، حتى قبل أن تراهق وتلبس ثياب الصبايا اللواتي يذهبن إلى النبع بحجة ملأ الماء ... وفي الواقع للبحث عن فتى الأحلام والإعلان عن نفسها ، وتوريث ما لها لأختها الشقيقة أفكار التي لا زالت تصدر (لنخبة نخبة) المثقفين ، وليس للناس علم بصدورها ولا باحتجابها ولا بوجودها أصلا ، وهذه هي مأساة الثقافة في هذا الزمن ...!!!!
كانت مجلة الفنون الشعبية صدرا عريضا يزدان بالبحوث والمقالات والتحقيقات التراثية والفلكلورية ، كانت ذاكرة الشعب العربي تختزن على صفحاتها (الكُدِش) الخشنة ، ذلك الشعب الذي كان شعبا فصار شعوبا تقاسمت عن الوطن الأم ، تزاحم عليها طلاب المناصب والكراسي ، حتى صرنا أمة منكسرة ضعيفة ، واهنة ذليلة لا تساوي في ميزان الأمم قلامة أظفر ...!!!
كم أحزن كل ما وقع بين يدي عدد من أعداد تلك الحسناء الجميلة الرائعة المأسوف على شبابها الغض الذي ولى ضحية قرار مجرم لا ندري لحسن الحظ من صاحبه بعد كل تلك السنين المنصرمة ، حتى أن كل الأجيال اللاحقة لم تعاصر تلك المجلة البائدة ولا تعرف قيمتها ...!!!
وللأسف لم تستطع أي مطبوعة أخرى استيعاب مكانها ، أو سد فراغها ، فالصحف الأسبوعية واليومية ينظرون للتراث من جانب ارستقراطي ، ويرون أن استعمال اللهجة المحكية ، أو كتابة بعض المصطلحات العامية حربا على الفصحى ، في حين أن الله عز وجل أكرم العربية بالقرآن الكريم ، والعامية فصحى بلا حركات قواعدية ...!!!
وأصحاب الصحف في معظمهم من الذين نشئوا زمن الطفرة وإعدام الأراضي الزراعية ، وزمن تحويل القرية إلى مجمع للأسكان ، فلم يعيشوا الماضي ، ولم يتذوقوا نكهته الرائعة ، لذلك لم تجد البحوث التراثية مكانا على صدر الصحف والمجلات ، على زيادة واطراد أعدادها وضخامة عدد صفحاتها ، ولم تجد مجالا على شاشة التلفزيون ، ولا على أثير الإذاعات التي صارت أكثر من فيروس انقلونزا الخنازير، تساهم بعدوى التغريب والرحيل في المجهول ، وأغاني الطقطقة (على رأي سميرة توفيق) والعري والفيديو كليب ...!!
إذن يحق لعاشق التراث الشعبي أن يحزن على مجلة الفنون الشعبية الأردنية ، ومجلة التراث الشعبي العراقية ، وقد احتل الرصاص والموت مكان الأقلام والفكر الحر ...!!!
لدينا تراث ، والتراث في كل سنة يتجدد ، وعني شخصيا ذاكرتي تختزن رصيدا كبيرا من الأحداث وعمري لا يتجاوز سنوات قليلة ، حتى وأنا أشارف على الستين...!!!
لدى كل منا رصيد من الذاكرة ، وإن كانت نسبية بين أحد وآخر إلا أن النتيجة واحدة ...!!!
الآن هناك عشرات ، بل مئات من المواقع الإليكترونية تفتح أبوابها إلى التراث ، ولكن لا تغني عن المكتوب ، والكتب والمجلات ، فا هي عمان تحتفل بالمؤوية الأولى لقيام أول مجلس بلدي فيها ، وقريبا تحتفل بالمؤوية الأولى لجعلها عاصمة البلاد ، وقد تطورت تطورا هائلا ، وفي كل يوم هناك ما يصبح في الذاكرة ، فكيف نواكب تدوينه ....؟؟؟!!!
عسى أن تكون هناك ذاكرة تتجدد وتدوم ، ولعل مجلة الفنون الشعبية تنفض الأكفان وتقوم من نومتها ، أو نستنسخ أخرى مثل النعجة دولي ...!!!!