خلوة في الرصيفة
صورة محال من واقع الحال
بقلم الداعي بالخير : صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
* ذات يوم اجتمع كبار رجال الدولة في قصر المرحوم الملك عبد الله الأول ابن الحسين ، مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية ، وكما هو معروف عنه اهتمامه بالأدب والشعر ومجالس الثقافة ، وكان كاتبا وشاعرا له وزنه بالأدب كوزنه بالسياسة ، وكان من ضمن الحضور شاعر الأردن الكبير المرحوم مصطفى وهبي التل (عرار) ، وسأل الملك أحد الاقتصاديين عن الوضع الاقتصادي ، فقال له : إن الوضع الاقتصادي سليم معافى وهو في أحسن أحواله ، وأن الشعب الأردني يعيش في بحبوحة ويرفل في نعيم مقيم ..!!
وهنا اعترض الشاعر الإنسان الشجاع بالحق الذي كان يعاني مثل غيره من أبناء الأمة من الظروف القاسية ..!! ، سيما الاقتصادي طرح حقيقة نفسه وأسرته ، وليست حقيقة الأمة ، فهو لا يعرف إلا المال وكبار التجار وعلية القوم ، في حين يعرف عرار كل بؤر الفقر ، والناس المطحونين ، ودعا الملك والحكومة والحاشية إلى مائدة أردنية خالصة ليرى جلالته الواقع بعينيه ، لا بعيون الكذابين من الناس في بستان أحد الأردنيين ، وقبل الملك الدعوة ، وطلب عرار من المضيف أن يحضر أدوات فخارية ، وملاعق من الخشب ، وأحذية من جلود البقر (زرابيل) لأبنائه وملابس خشنة لأفراد عائلته ، مما يلبس فقراء الأردن في ذلك الزمن البعيد ، وأن تكون المائدة من بقول الأرض وقثاءها، وأن يكون العدس والبرغل وجريشة القمح من أبرز الحضور على المائدة الأردنية تلك ...!!!
ولمّا حضر الملك وشاهد تلك المائدة الخضراء، قال له عرار : هذا طعام تسعة أعشار الأردنيين ، وحتى هذه المائدة الربيعية غير دائمة ، ويا ليتها تدوم ، وإن قال لك أحد غير ذلك فاملأ فمه ترابا...!!! ... ورحم الله عرارا الذي كان ينطق الصدق ويقول الحق بجرأة وشجاعة البطل .. وكم دفع من ثمن لتلك المواقف ...!!!!
كان لا بد من هذه المقدمة والصورة المقارنة تبريرا إلى ما سأذهب إليه في مجمل حديثي ، بعد أن أصبحت الخلوة العقباوية من تقاليد كل دولة رئيس يريد أن يؤلف الفريق الوزاري ، مثل غوار الطوشة الذي يستمع للندن كلما أراد أن يعرف ما عندنا من أخبار ...!!!!
وهنا أسمح لنفسي أن أسير على خطى المرحوم عرار ، وأقدم دعوة للحكومة بزيارة مدينة الرصيفة ، مدينة التلوث البيئي ، حيث ننتظر بفارغ البر ثقب الأوزون من فوقها ، وسيكون أول أوزون أردني يُثقب وسنقوم بتصديره إلى ما حولنا على طريقة بعض الثوريين تصدير ثوراتهم الفاشلة في بلادهم أصلا ، ولكن لتعميم الغضب والنحس يتم التصدير، وأرجو أن لا تكون الخلوة عابرة ، وان تدوم أسبوع من الزمان ، لمعايشة ظروف المدينة يوما بيوم ، ساعة بساعة ، وأن يشاركون السكان بنعمة استنشاق رائحة المحرقة ، وأبخرة مصنع الخميرة ، ومشاهدة الآف المحارق الصغيرة عند كل مجمع حاويات ، حيث يقوم متطوعون من أعداء البيئة والأزون بهذه الخدمات اليومية ، محافظة على مزاج مدمني سموم الأدخنة الثقيلة، وروائح الحرائق ..!!
على حدود علمي ، إذا لم أكن فاشلا حتى بهذه المعلومة، أن أكبر مساحة من المملكة صحراوية ، ونرجو أن تصبح خضراء ، بوجود وزراء يقومون بالمسح الميداني والعمل، وجعل (300) يوم من السنة على الأقل عيد شجرة ، نزرع الأشجار ، وأن لا يكون منهم أمين عمان بطل التصحر ، ولا رئيس بلدية الرصيفة الذي يحرر مخالفات للذين يزرعون على الأرصفة أشجارا والذي يسعده أن تكون المحرقة ومصنع الخميرة بين الناس ، ولا يسمح بوجود شجرة تمتص ثاني أكسيد الكربون وتنقي الطبيعة ، وتولد الأوكسجين للناس الغلابا ، الذين استسلموا لأمر الغلاء الفاحش وصعوبة المواصلات وملوحة الماء ، حيث صار لدي يقين أن وزير المياه وكبار موظفي وزارته وكلاء لفلاتر الماء وأصحاب مصانعها ، وهذا الخبر ليس له علاقة ، بالحديث عن مأساة الرصيفة ، ولكنه يخص مأساة الأردنيين بشكل عام ...!!!
الغريب أن جلالة الملك يحرص على رعاية أطفال المملكة منذ ساعة ولادته وحتى يبلغ ست سنوات،رعاية صحية شاملة ، ووزراء ومسئولي حكومته يقومون عن سبق الإصرار والترصد بتسميم الناس بواسطة المصانع ومكبات النفايات ، ومصانع الغاز الحيوي ، وقتل البيئة وخزق الأوزون عن سبق الإصرار والترصد ، فلماذا لا يتم توغل سيارات النفايات والقمامة في الصحراء ، وحرقها بعيدا عن الناس ، ولماذ لا تنتقل مصانع الغاز الحيوي حيث تكون القمامة ؟؟ ولماذا لا يكون ذلك الشر المستطير بعيدا عن حياة الإنسان ، الذي أغلى ما يمكن ، ولماذا لا يتم اقتلاع الشر المستطير بواسطة قوانين ، هي موجودة ولكنها غير مُفَعَلة..؟؟!!
إني أدعوك يا سيدي يا دولة الرئيس لزيارة الرصيفة البائسة والوقوف على أحوالها ، وأن تخلو بحكومتك الرشيدة فيها ، وإن فرق المحروقات ، إذا كنتم تهدفون الترشيد للتوغل عدة كيلومترات داخل الصحراء لا يساوي شيئا من ثمن الأدوية والتأمين الصحي الذي تدفعه الحكومة من أجل حياة الناس ، وبحسبة رياضية بسيطة تجد أن ما يحدث يشكل خسارة فادحة كبيرة ، يمكن تعويضها لو قدمتم مصالح الناس على مصالح الحيتان ...!!!
إني أدعوك يا دولة الرئيس أن تحَمِّرَ عينيك على أصحاب المصانع والمتنفذين الذين يستخرجون ذهبهم وملاينهم من أوكسجين الفقراء والضعفاء والأغلبية المسحوقة والمهشمة فنحن لن نطالب بالرفاهية ، بالسيارات ولا حتى بالخبز ولا اللحم ، فقط ارفعوا أيديكم عن الهواء والأوكسجين النقي ، ورحّلوا عنا مكب النفايات ومصنع الخميرة (قبحهما الله) ، فوجودهما بين الناس بروائحهما القاتلة يسببان الموت البطيء لنصف مليون إنسان ، أو أرغموا أصحاب مصنع الخميرة ، والغاز العضوي أن يقيموا وأسرهم في الرصيفة ليدفعوا من صحتهم وأنفسهم ما ندفع ...!!!
أرحمونا يا دولة الرئيس ، فنحن رعية استرعاكم الله إيانا للقيام على شؤوننا ، فلا تجعلوننا خصوما لكم يوم القيامة ونسألك : لماذا حرمتنا الأوكسجين النقي ، وأنت تستطيع أن تغير المنكر بيديك ...؟؟؟؟!!!!!
