نصوص الأغاني
بقلم : الداعي بالخير
صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
اذكر اني عندما كنت اذيع برنامجي الاذاعي «الداعي بالخير» من على اثير «صوت الحب والسلام في مدينة رام الله»، كانت احدى فقرات البرنامج قراءة صفحة من ديوان الدلعونا الفلسطيني جمع واعداد المرحوم الدكتور عبد اللطيف البرغوثي صاحب الباع الطويل في الفلكلور والتراث الشعبي ، وقد قرأت أحد الأبيات وفيه يطلب العاشق من حبيبته «بوسة»!! وقد قرأت البيت بشكل عادي دون خوف أو وجل لأني وغيري نرى على شاشة التلفزيون تطبيقا عمليا فكيف اخاف من نطقها؟ وقد كان ويا ليته ما كان، اذ ما خرجت من الاستوديو الا وجميع هواتف الاذاعة مشغولة تنتظر جنابي لتكيل لي اللوم والعتب والزعل والغضب..
وعندما وعيت الحقيقة احسست بالخطأ الفاحش، فلم اكن على ما يبدو اعرف حجمي جيدا وما معنى برنامجي للناس، وقد كانت ضريبة من ضرائب النجاح والشهره، وهي حلوة لذيذة مثل كوز الصبر رغم الشوك الكثير عليها!! فقد كان صوتي في كل البيوت والمحال والاسواق ووسائط النقل، وان كان البعض يسمعني بمزاجه، فكثيرون يسمعونني رغما عنهم!!
ادركت يومها معنى الكلمة المسموعة، واتصلت بالمرحوم الدكتور عبد اللطيف البرغوثي واخبرته بما حصل معي وطلبت منه ان يسمح لي بتعديل الكلمات التي قد تسبب خدشا للأدب (ان جاز التعبير) في بيت أو ابيات لا نريد حجبها من اجل كلمة يمكن تغييرها وتحافظ على معناها الجميل.
وقال لي رحمه الله وقتها: لك ذلك يا صالح، وبعدها اينما ظهرت كلمة «بوسة» اقوم بشطبها واستبدل بـها «شوفة». اي رؤيا، دون ان يتغير المعنى، فالغزل الريفي القروي هو غزل عفيف اصلا، وتزخر الدلعونا والعتابا والشروقي والحداء والقرادي والمربع والمخمس والمثمن بكلام بسيط عميق يخرج من القلب بصدق فتتلقاه الاذن بفرح.
اعتذر ان كان هذا الاستهلال طويلا فأبدو كأني اتحدث عن امجادي، ولكن ما دفعني الى هذا الحديث اني كنت عائدا الى بيتي صباح ذات يوم في احدى باصات الكوستر، وكان السائق يستمع ويفرض على الركاب شريط كاسيت لمطرب عراقي عاشق متيم تحدث عن لوعته وحرقته وامنياته بلقاء الحبيبه ليفعل بها كذا وكذا وكذا!! وهي كل ما يتمنى العاشق المحرم من حبيبته بتفاصيل قذرة لما تكون بين الرجل وحبيبته في المخدع.. ونقول هذه الكلمات أوالاشارة اليها من قريب خدش لحياء الناس اترفع بنفسي وبالجريدة وبالقراء عن نقله!!
ومع ذلك هذه الاشرطة تذاع وتقال كل يوم على اسماع الركاب.. الفتيات والسيدات والرجال معتمداً السائق على تاريخه الزعراني المجيد وساعدي كنتروله المرشومة بالوشم وضرب الشفرات، وانا شخصيا لا استطيع ان اشتكي على احدهم لاني لو فعلت سأقضي يومي في المركز الامني لينقلوا شهادتي فيضيع علي يوم راحتي لأقول لهم كلاما يسمعونه مثلي ويعرفون عرابيه ومافياته اكثر مني ويغضون عنه السمع والبصر!! وهل انا لا سمح الله (شارب حليب سباع)؟؟
وما دمنا ولجنا الى موضوع الباصات ومشاكلها، وقد سبق لي ووجهت من خلال هذا المنبر من على «بلاطتي» المحروسة ثلاث رسائل لعطوفة مدير الامن العام شخصيا، ولم يتغير ولا اظن إن هذه الاشرطة الاباحية التي تخدش الحياء ستتوقف عن نفث سمومها من وسائل النقل العام!!
اني لا زلت حتى هذا التاريخ اذا اردت ان اذهب من الرصيفة الى عمان صباحا استعمل مواصلتين بـ (40) قرشا بدل (20) قرشا وقد اذعنت انا وغيري مثل الارانب لمافيا النقل العام!! وعلينا الانصياع التام للسائق والكنترول وابتزازهما والاستماع الى الاشرطة المفروضة علينا ، وان نملأ صدورنا من دخان سجائرهم ونحتمل كل طباعهم القاسية، ما دام لا يوجد عند الحكومة حلول لهذه المآسي.. فعندما آمن الحمار ان قدره ان يركب ويضرب بالعصا استكان لقدره ولم يعد يعترض، فمارس حياته وصار مركوبا مذموما راضيا بقدره.. فلماذا لا نتعلم من الحمار ونقبل مثله لنرتاح ونريح انفسنا، وعلى رأي الشيخ جحا اذ قيل له ان في بلدتكم حريق قال: ليكن ، على ان لا يكون في حارتنا، فقيل هو في حارتكم، فقال: ليكن على ان لا يكون في بيتنا، فقيل: هو في بيتكم، قال: ليكن على ان يكون رأسي سالما.. سلامات يا راسي!!
