مقهــــى المغتربين
بقلم : سعادة أبو عراق
19 – أبو خليل
مين ما بيعرف أبو خليل ؟ راعي الحمار القبرصي ، إللي ما بنشاف أبو خليل إلا ومعاه هذا الحمار الأدهم ، كانهم أخوة أو قرايب أو أصحاب ، والكل بيشهد إنه أبو خليل صاحب همة ونشاط ، وكل حياته شغل في شغل ، ما بيقعد في القهوة ولا بضيع وقته في القعدة في حضير الجامع ، أو الدواوين والقهاوي ، كأنه في سباق مع الحياة ، ذهنه ما شاء الله عليه ، بيعرف وين الخلند مخبي اولاده ، وما بينسى شي مر عليه ، ذهنه كأنه دفتر ، دايما عنده أفكار جديدة ، فمن يوم ما إجا من أميركا ، اشترى هذا الحمار القوي الكبير إللي لونه سكني غامق ، وصار يشتغل سمسار تجاري بين القرى القريبة ، شغلة ما واحد فكر فيها أبدا،لا في سنجل ولا في غيرها ، صار وهو داير يين القرى ، يعرف كل واحد شو عندة وشو بده يبيعه ، وشو إللي عاوزه وبده يشتريه ،ما كان يسجل على ورقة ، كان يحفظ في راسه ، يعني واحد عنده زبيب ، وما معاه مصاري يشتري حلس للحمار ، بقول له فلان في البلد الفلانية عند حلس لحماره اللي مات ، بروح يقول له شو رايك توخذ بدل الحلس المرمي خريطة زبيب ، فإن وافق بيجيب له الزبيبات وبوخذ الحلس ، وكمان لو واحد عنده شعير ، بس يده زيت بعمل نفس الشي ، وبالطبع بيوخذ عمولة من الجهتين ، وعايش من ورا ها لشغلة كويس ، وما بشوفوه دايما إلا داير بين القرى بوخذ من هاذ وبجيب لهاذ .
واحد من زباين القهوة العواطلية ، من إللي ما عنده مروّة ينش الذبانه عن وجهه ، راح يتحركش فيه وهو مارق من قدام القهوة ، وقال له :ذاقت عليك أميركا حتى تيجي تمشور بين عبوين وترمسعيا وقريوت ، قال له إللي بمشور أحسن من المتنبل زيّك ، قال له لو قدرت تعمل شي ، ما بتيجي عشان تشتغل على حمار ، قام قال له أنا عملت ما قدرت تعمله الحكومة ، - يعني استجاب للإستفزاز - ، فقال له : لو عملت شي كان قعدت وخرفتنا ، قال له أنا ما بقعد ، أنا بحكيلك وأنا واقف ، قال له ممتاز وإلك مني كازوزة سحويل ، قال له بديش كازوزتك ، ربط الحمار بعرق شجرة ، وبعّد الأولاد خوف يرفسهم أو يعضهم ، وقال له أسمع وانت واقف ، لأنه الله خلق لك الرجلين الثنتين عشان توقف عليهم وتمشي فيهم ، مش عشان تقعد وتحط وحدة فوق الثانية ، عشان وإنت واقف يكون ذهنك شغال ، أما وإنت قاعد بيجوز إنك تنعس وتنام ، قال له مثل ما بدك ، المهم إحكي ، لما سمع بعض الشباب صوت أبو خليل من جوّا القهوة ، استغربوا كأنه واحد نزل من القمر ، طلعوا بره باهتمام ، وقفوا تحت المعرش كأنهم بيتفرجوا على ساحر .
أبوا خليل حب هذا الاهتمام ، قال رغم إني ما بحب الهشت الفاضي ، والمسخرة إللي مبسوطين عليها ، وما عندي رغبة أجاريكم ، فبدي أحكيلكم إشي جدّ تتعلموا منه ، مش تضحكوا عليه ، قالوا طيب هات ، قال لهم ، أنا رحت مثل كل إللي راحوا ع اميركا ، ما كان أهل البرازيل ولا كلمبيا ولا المكسيك أفضل منا ولا إحنا أفضل منهم ، كانوا ناس طياب ومحترمين ، كنا نمشي بالبلاد بدون ما حدا يقول لنا وين هويتك ، وكان معي بغلة زرقا قوية ببيع عليها بين قرى الهنود الحمر ، ويوم من الأيام كنت ماشي ، ومبين إني تهت ، المهم ظليت امشي ورا هالبغلة ، وقلت بلكي تعرفت على زباين جداد، وظلت طالعة على هاالجبال ، ما شفت إلا وأنا في سهل مثل الكف ، على قد عيني وما تشوف ، تصورت إنه واحد جايب منشارة وناشر روس الجبال ، حتى صارت مسهمدة بها الشكل ،حتى كأنه ماسحها بالفارة ، ومش هذا وبس ، شفت فيها طريق عريضة من أول السهل لأخرة ، وهذي الطريق بتوصل بين بلدين في هذا السهل ، وحدة في الشرق ووحدة في الغرب ، قلت يا ربي مين عمل ها الطريق المرصوفة المستقيمة المهندزة، وعشان إيش هذي الطريق ، هذي معمولة قبل اختراع الأوتمبيلات ، رحت على البلد الغربية ، وقلت لهم لويش هذي الطريق ، قالوا ما بنعرف ، إجينا ع الدنيا لقيناها موجودة ، والبلد الثانية قالت نفس الشي ، قلت لهم ، هذي الطريق كويسة ، ليش ما تستعملوها ، قالوا البغال والخيل والحمير ما بتحب تمشي ع البلاط ، بتحب تمشي ع التراب ، عشان هيك ما بنستعملها ، قلت مش هذا قصدي ، قالوا وإلا إيش ، قلت يعني تجيبوا سيارة وتصيروا تروحوا وتيجوا عند بعض ، بدال ما تمشوها ، قالوا ما في طريق سيارات حتى نجيب سيارة ، قلت لهم أنا بجيب لكم ، قالوا بتكون حليت لنا أكبر مشكلة ، يم من وقتها رحت ع العصمة واشتريت سيارة جديدة ،وأخذت معي ميكانيكي ،وظلينا سايقين حتى انتهت الطريق ، الميكانيكي قال لي وبعدين ، قلت له فك لي إياها قطعة قطعة ،عشان انقلها ع ظهر البغلة للطريق المبلّط ، الميكانيكي استغرب لكن قلت له ساوي مثل ما بقول لك ، وفعلا فك العجلات والبواب والجناحات ، وقعدنا جمعتين حتى فكيناهم ونقلنا القطع ع ظهر البغلة ، وقلت له ركبها مرة ثانية ، وبلش فيها قطعة قطعة ، والهنود الحمر هذول بيتفرجوا علينا ، ومش عارفين شو بنساوي ، لأن معظمهم ما شاف سيارة بحياته ولا ركب فيها ، فلما دوّرناها، وسمعوا صوتها وشافوا دخنتها ، كلهم هربوا ، اضحكنا شوية لأنه هذا شعور الإنسان وين ما كان ، وحتى واحد من سنجل لما فكس بوجهه ظوّ السيارة في الليل ، وهو مروح وخايف في العتمة لوحده، شهق شهقة ومات ، وبعدين صرنا نقنع فيهم إنهم يركبوا فيها ، لكن مع الوقت تعودوا عليها ، وصرت أركبهم مش بس للتوصيل وكمان لشمات الهوا ، ونقل البضاعة والحاجات والغراض وأزف العرسان ، يعني هذه السيارة عملت لي مكانه ، وسيطرت ع الحركة التجارية في البلدين .
قام واحد وقال مادام إنك اربحت بهالشكل شو جابك لهون ، قال م أنا ما كملت لك ، قالوا كمل ، قال ما شفنا الحكومة يوم ، وإلا هم جايين على هالخيل ، وشافوا السيارة ، قالوا مين سمح لك تجيب سيارة لهون ، قلت ما حدا ، قالوا هذي أثارات من حضارة المايا ، وممنوع حد يمشي عليها بالسيارات ، وصادروا السيارة ، وقالوا لي مثل ما جبتها بتنزلها ، قلت لهم طيب ولكني ناوي ما أردش عليهم ، فقالوا لي تعال معنا ، وأخذوني ع العاصمة ، وحطوني في الحبس وسفروني ، وقالوا لي ما يدنا ناس بتفهم .
واحد قال الله يعطيك العافية ، إحنا ما بنحسب إنك فصح وبتعرف تسوق سيارة ، كل إللي بنعرفه إنك بتسوق حمار ، قال له وهو بفك الحمار من الشجرة ، أنا سبعك ، صياد البر هو صياد البحر .