بقول المثل - 8
صور تراثيه شعبية من وحي الأمثال الشعبية
بقلم الداعي بالخير : صالح صلاح شبانة
Shabanah2007@yahoo.com
الأمثال الشعبية هي جزء التراث الشعبي .. ومراجع يومية لعلاج المشاكل أو التنفيس عنها على الأقل .. والأمثال الشعبية حكم ومأثورات فلسفية خرجت ببساطة من أفواه البسطاء .. وتناقلناها عبر الأجيال .. وتقال في مواقف معينة .. وتتسم في معظمها بالطابع الساخر .. وسر خلودها يرجع لأنها ليست بدعاً أو ّتقاليع وإنما صادرة من العقل والقلب للإنسان البسيط ، وهي خلاصة للتجارب الإنسانية الحية على مر العصور....!!!
ولا يوجد شعب من شعوب العالم إلا وله أمثاله والحكم . وأغلبيتها باللهجة المحكية الدارجة ، ومنها باللغة العربية الفصحى ، والقرآن الكريم زاخر بالقصَص والأمثال لسهولتها
وسلاستها وعمق معانيها وصدق مراميها...!!!
1- إذا ما صح احباش بتصِح المرقه
يضرب هذا المثل للذي يقبل القليل ، إذا تعذر الحصول على الكثير ، و(لِحباش) هي الماده في الأكل مثلا : العدس والفصولياء والبامياء ....الخ ، وتكون مطبوخة بالمرق .. والمقصود عندما لا تجد المادة الرئيسية في الطعام ولم تجد إلا باقي المرق ، فتناوله بسرور حامدا المولى ، فأنت قد وجدت المرق ، وربما غيرك قد لا يجده ، وهو شيء خير من لا شيء ، والقبول يدل على القناعة والرضى بما قسم الله ...!!
يقال في الأسطورة : أن الهدهد دعا نبي الله سليمان عليه السلام إلى وليمة ، فسأل نبي الله سليمان الهدهد ، إن كانت الدعوة له وحده أم له ولجيشه من الإنس والجن ، فأحرج الهدهد ، ولكنه قال : بل لك ولجيشك من الإنس والجن ، وواعدهم شاطيء البحر ، فلما اجتمعوا أحضر جرادة وألقاها في البحر وقال : (تفضلوا عَ المقسوم ، واللي ما بلحق اللحم بلحق المرق) ، ويقال أن تلك كانت أول نكتة في التاريخ ، فضحك منها سليمان ومن حضر طويلا ، ثم جرَت مجرى المثل ، والله أعلم ....!!!!!
2- اللحم إن خَمّ مالوش الا اصحابه
أي إذا فسدت الحاجة وأنتنت ، فليس لها إلا أصحابها ، والمقصود بهذا المثل هو الشرف والعِرض والفضائح الناتجة عنه ، فإذا ما حدثت (لا سمح الله) حادثة شرف في بيت من البيوت ، فلا يلمّها إلا واحد من أهل البيت ، ابن العم ، ابن العمّه ، أو إبن الخال أو الخالة ، فهو أولى بها ويستر على الأمر ولا يفضحه ولا يجاهر به...!!!
3- لو لقيت أتيس مني ما هنا لي عيش
بعض الناس يفخرون بنسبهم للتياسة ، (ونِعْمَ النسب اللي بشَرِّف) ، والتياسة هي عدم الفهم ، أو العِناد الشديد والإصرار على الخطأ ، وهي مأخوذة من التيس وهو ذكر الماعز والذي يتميز بكل المثالب من المناطحة بقرونه الجهنمية ، ومن رائحته المنتنة وسوء قيادته للقطيع ، والذي يقوم بها خروف خصي اسمه (المرياع) ، تم تدريبه ونذره للقيادة ، وقد يدل ذلك على الحكام اللذين يشترط بهم أن يكونوا خصيانا ، وتخرجوا من المحافل الماسونية وهي أقدر الناس على صناعة تلك القيادات التابعة ، والمعذرة لأبتعادنا عن نص المثل ، ولكنه الحديث الذي يجر حديثا ، ولسعة معاني الأمثال الشعبية ، ومقدرتها على الأستيعاب الشديد ، والوجه الآخر هو عدم الفهم وعدم الإقتناع ، والنزول في كل معركة ، ولو كانت خاسرة ، وكل هوشة وطوشة بقلب جامد ، والتياسة الأخت الكبرى الشرعية للزعرنة والإفساد في الأرض ، والمثل هنا يباهي ويفاخر بالتيس ، حتى انه لو وجد من هو أتيس منه ما هنيء له عيشا ، وهذه مصيبة كبرى ، وتعطيل لنعمة العقل والعاطفة ، والجري في مجاري الشيطان...!!!
4- الطفر بعمي لِقمار ، والمال بفتِح العميان
(لِقمار) تعني هنا البصيرة ، (لِقمار) هنا تعني البصيرة ، والتي هي أحد وأهم من البصر للأنسان ، فقد يرى الأعمى أحيانا بعينيه المطفأتين أكثر من البصير بعينيه المفتوحتين المبصرتين الذي يرى ولكنه لا يدرك شيئا مما يدور حوله ، فهو (أعمى طلطميس)، أي لا يرى إلا الظلام الدامس ...!!!
والسبب هو الفقر ، والطفر ونفاذ المال والحاجة الرعناء وعدم الإكتفاء فتنعمي عنده البصيرة وهي (لِقمار) ، والناس ينظرون للفقير بازدراء واحتقار واستصغار ، حتى القطط لا تَهِر له ولا لكلاب تبصبص له...!!!
، أما المال فهو يحَوِّل الظلام الى نور ، والحزن الى فرح ، يشتري المرء به كل ما يريد ويحتاج من الإبرة حتى الذمم الخاربة ، ويجعل العميان يرون مثل المبصرين ، فقتل الله الفقر ما أظلمه ، ولو كان رجلا لكان عمر بن الخطاب قتله ، ولكنه أسوأ أقدار البشرية ، وغالبيتها العظمى الفقيرة المعدمة...!!!
5ــ الجوع ذلاّل ، والعطش قتّال
والجوع والعطش هما أكبر خطران على حياة الناس ، دونهما لا يستطيع الأنسان حياة ، فالعطش هو الحاجة إلى الماء ، وقد تكون أكثر مدة يتحملها الإنسان دون ماء ثلاثة أيام ... وأعتقد أن هذه الأيام الثلاثة تكون على فراش وثير ومكيف هواء ، إذ لو كان تحت شمس الصحراء (لفقع) على رأي جورجيت صايغ ، مثل (حبة البوشار)في ساعات قليلة ، ولكن يمكن الأنسان احتمال الجوع لأيام أطول من ذلك ، وليس معي مقياس (غينتس)للأرقام القياسية ، أما عن نفسي أصبح مثل (الجاجه الدايخه) إذا جُعت ...!!!
هنا يضطر الإنسان لإذلال نفسه من أجل الحصول على الطعام ، فالجوع يؤدي للموت ، ولكن بطريق طويل مؤلم وإنهاك لا يستطيع احد الصبر عليه ، فقد يؤدي إلى الإذلال ، أما العطش فهو أكثر شهامة ، ويسرع بالموت المحتوم ...!!!
6ــ حتى كلاب البلد بتنحَبّ
هذا القول ينطبق على العشاق ، فإن عشق عقلة حليمة ، فهو يرى الشمس على حيطانها أجمل من الشمس على الحيطان الأخرى .. ويشم رائحة طابونها المدخن ، وزريبة غنماتها أطيب من كل عطور الدنيا ، ونباح كلبها أفضل من كل الأغاني الشبابية ، ومزبل غنمهم وأكياس البعر التي حول دارهم أجمل من الحدائق البهائية في حيفا ، واذا وقع عقلة في حب حليمة أحب كل مقتنياتها ، ودروبها وطرقاتها ، أحب دجاجاتها وحماماتها وكلابها وتيسها ومرياعها ...!!
فالحب أعمى مزلزل يهز القلوب والخصور وشوارب عقلة على ضخامتها وغزارتها ..!!
7ــ قلبي على ولدي انفطر ، وقلب ابني على الحجر :
يضرب المثل بشدة شوق وحب وحرص الآباء على الأبناء ، وشدة إهمال الأبناء لهذه المشاعر النبيلة ، فالآباء يعيشون من أجل رسالة مقدسة سامية ، ولا يحس الأبناء بهذا الإحساس ، والمسالة سنة من سنن الحياة ، وقد أوصى الله الأبناء بالآباء ، وعلى الإنسان أن يحسب حساب زمنه القادم إذا عق والديه ، لأنه سوف يوفِّ هذا الدين ، حيث يعامله الأبناء بالمثل ، فالعاقل واللبيب من حسب لغده كما يحسب ليومه ، وأن العقوق كبيرة من الموبقات السبع المهلكات ، ورضى الأبوين من رضى الرب وغضبهما من غضبه ...!!!
8ــ ميت إخص ولا رحمة الله عليه :
أي أن الجبن الذي يجلب الحياة ، حتى ولو كانت رخيصة ، وذليلة أهم وأشرف من شجاعة يتبعها الموت ، وأن يردد الناس : رحمة الله عليه ، فقد كان بطلا مغوارا ...!!!
ونحمد الله أن الشباب والأهل في كل بلد يرزح تحت احتلال ظالم لا يأخذون بهذا المثل السلبي ، وأن الموت بشرف وشهادة طقس من طقوس شعبنا ، وأننا نزف الشهداء الأبطال الشجعان عرسان للأرض ، وأن ذوي الـ (إخص) يتقوقعون مثل السلاحف داخل جلودهم الحجرية، وأن الموت آتٍ لا محالة ولا مفر منه ، فأخص عليهم إلى قيام الساعة ، والرحمة والخلود للشهداء وللشجعان ، حتى ولو ماتوا على فراشهم ، فأسوتهم أبي سليمان خالد بن الوليد ، سيف الله المسلول رضي الله عنه وأرضاه ...!!!
9ــ كبر النفس بقطع النصيب :
أي أن التكبر و(الجعصة) ، سببا في قطع النصيب من كل شيء، حيث تنفر الناس وتكرههم بالشخص المتكبر المتعجرف ، وخصوصا السيدات ، إذ هذه العادة قد تنفر عنها العرسان ، وفيما لو تزوجت ، قد تكون هذه العجرفة سببا في طلاقها،ولا أفضل من البساطة والتواضع ، وهما من صفات الكبار ، أما العجرفة و(كبر النفس) فهما من صفات الأقزام ، الذين مهما حاولوا التطاول لن يبلغوا شيئا ...!!!
10ــ كثير الغلبه أعطوه نص الدنيا ، قال النص الثاني لمين :
والمعنى ظاهر ، إذ أن الغلباوي كثير الأسئلة بسبب وبلا سبب ، وأنه يتدخل بما يعنيه وما لا يعنيه ، وسلوكه هذا يُكره الناس به ، فينفضوا من حوله ، والأصل أن يكون المرء قليل الكلام كثير الاستماع ، وأول حكمة من ذلك أن الله عز وجل خلق لنا فما واحدا ، وأذنين اثنتين ، ويقال في نفس المعنى : (كثير الغلبه ودوه على جهنم قال الحطب أخضر)...!!!
11ــ كعبها مدَوّر :
مثل يضرب بالشؤم والنحس ، وأن ذا الكعب المدور ، ذكرا كان أم أنثى ، يحل معه الشؤم أينما حل ، ويقال : (رجله خضرا) ، للذي إذا زار قوم مات عندهم شخص ، وللدعاء على من يكرهون ، إذا مات أحدهم ، قالوا لأهله : (الله يجعل رجله عليكم خضرا) أي أن يأخذكم الموت كما أخذه ...!!!
12ــ كل ابراهيم إلو نمرود :
أي أن لكل شخص صالح له ضده من يكرهه ، ورجل جبّار كالنمرود ، ولكل عالم جاهل يؤرقه ، ولكل طاهر نجس ، وهلم جرا من المتضادات ، قال ابن الوردي :
ليس يخلو المرء من ضد ولو ، حاول العزلة في رأس الجبل
13ــ كل زلمه في بيته صبي :
أي أن كل رجل مهما يكون وقورا ومحتشما ، فأنه يلقي ذلك الوقار وتلك الحشمة ، ويتصرف بتلقائية كما يتصرف الصبي ، ولو حمل الرجل رزانته وجديته في البيت ، كما يحملها في العمل لأصبحت البيوت أقرب للسجون منها للبيوت ...!!!
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ، فإذا التمس وجد رجلا ) ...!!!
14ــ كل طويل هبيل ، وكل قصير فتّان :
الهبيل : الأهبل ، والفتان : يريدون به المضل ، والفصيح الفاتن ، أما الفتان فهو الشيطان ، لأنه يفتن الناس عن الدين ، أو لأنه يفتنهم بخداعه ، أما الفاتن فهو المضل عن الحق ، وقد يكون اللفظان صحيحين ، ومعناهما متقاربان ...!!!
وقيل : (ما طول بخلا من الهبل ، ولا قصر بخلا من الخبث) ، وقيل أن القصار كانوا يحبسونهم يوم الجمعة ، حتى لا يسببوا الفساد للمسلمين في يوم عطلتهم ، ويقضون مضاجعهم ، وقيل : أن قصيرا ذهب يشتكي على رجل ضربه ، فقال له القاضي : القصير لا يُضرَب ، بمعنى أنه هو دائما الظالم ، فقال : ولكن الذي ضربني أقصر مني ...!!!!
15ــ كل الكلاب أحسن من حمّور :
وحمور كما يبدو اسم كلب هامل ، أفسده الدلال ، ليس كالكلاب الذين يحرسون وينبحون على الغير ، ويثبتون وجودهم ، والمثل يضرب من باب السخرية للرجل الناقص ، اللئيم الذي لا يقاس بالرجال ، فكل الرجال خير منه ...!!!
16ــ كل من على شكله بشكشكله :
أي أنه يفرح وبه ويرحب به ، ويحب صحبته ، ويقال (طنجره ولقت غطاتها) ، و( طير في السما طقع كل من على شكله بقع) ، و(بعره وانقسمت بشعره) ، و(خ...) وانقسمت بخيط ، وغيرها أمثال كثيرة لا تعد ولا تحصى ...!!!
17ــ كل واحد بعرف شمس داره من وين بتطلع :
أي أن كل شخص أعلم بظروفه وحياته وعمله وأهل بيته من الآخرين ، وبمعنى أيها المُنَظِّر فلان وفر نصائحك لنفسك ، لأني أعرف بنفسي وظروفي منك ومن غيرك ، ويضرب المثل للمنظرين الذين يتقمصون دور المعلم وشخصيته ، ويقدمون النصائح ، ومن المعروف أن النصيحة ثقيلة على النفس والقلب ، ويعتقد أن عقله أكمل العقول...!!!
18ــ كل واحد من جرابه يسل ويبلع :
الجراب جلد لحيوان تمت معالجته ، يوضع به الطعام ، وخصوصا الحراث ، ويسمى ظبية ، والمثل يعني أن لا تتسلط على أقوات الآخرين ، وكل مما في جرابك ، أي مما تملك ، ودعك من الكسب من الآخرين ...!!!
19ــ الكلب اللي بجرّوه للصيد ، لا فيه ولا في صيده :
يضرب لمن يعمل بالإكراه ، ويقدم للعمل رغما عنه ، فهو لا يتمم عمله ولا يتقنه ، بل وقد يغش عامدا متعمدا للتسبب بالأذى لمن أرغمه على العمل، ككلب الصيد الذي يأخذه صاحبه عنوة عنه ليصطاد له ، وبظني لن يفعل ، بل قد يضيع الصيد عليه ...!!!
20ــ كلها عجره ولا غيرك يوكلها مستوية :
أي لا تضع أي فرصة تواتيك ، وإذا مررت بثمرة فجة ، أو عجرة ، لم تنضج ، فكلها ، ولا تدعها حتى تنضج ، لأنها عندما تنضج ستكون لغيرك ، فانتهز الفرصة ، وقيل في هذا المعنى : (في بطنك ولا في ظهرك) ، أي أودعها بطنك ولا تدعها وراء ظهرك ، ومثلها قيل : (إذا ريحك واتت ذري عَ لحية جارك) ، وهذا من أمثال الفلاحين ...!!!
